وتمضي الحياة!
بدأت الثورة وكان غالب ظنّ الناس أنها سرعان ما تنتهي بعد شهور قليلة وتعود المياه لمجاريها، ويستأنف الناس حياتهم، وأنشطتهم اليومية.
واستمر الاعتقاد ذلك عندما تطورت الأمور للعمل العسكري وبسبب الانشغال بمجريات الثورة ويومياتها توقفت الكثير من الأنشطة الفردية والجماعية؛ تقديمًا للأهم والأكثر ضرورة، وتقديمًا لحاجات المجتمع على الحاجات الشخصية، والضرورات على الكماليات.
وبعد مرور ثلاث سنوات على الثورة، وتوسع أثرها لجميع فئات الشعب، وشمولها لكافة مناحي الحياة، ووضوح طول وقت حل الأزمة، وأنها لم تعد مشروعًا قصير الأمد، بل أضحت مشروع حرب طويلة قد تمتد لسنوات طويلة، وتمتد آثارها لسنوات أطول، وأنَّه سينبني عليها إعادة بناء المجتمع من جديد، أصبح لزامًا إعادة النظر في العديد من السلوكيات الحياتية والمعاشية التي أفرزتها الثورة.
فالإنسان له احتياجات لا بد من تلبيتها، نفسية كانت، أو عقلية، أو جسمية، وفي المجتمع فئات كثيرة تتنوع احتياجاتها ورغباتها، وتختلف، ولا يمكن بحال من الأحوال إغفالها أو إهمالها لوقت طويل.
كما أنَّ الانشغال بالثورة والجهاد لا يعيق القيام بهذه الحاجيات، بل إنَّ في القيام بها إيجابيات عديدة على مستوى الفرد والمجتمع.
فليس كل المجتمع منخرط بأعمال الثورة والقتال، ففيه النساء والأطفال وغيرهم، وإهمالهم بسبب الانشغال بالثورة فيه خطر كبير، من جميع النواحي العلمية، والتربوية، والدينية، والأخلاقية، فلا بد أن ينفر البعض لتعليمهم، والقيام بشؤونهم.
بالإضافة إلى أن الثورة قامت دون سابق ترتيب، فكانت كثيرٌ من خطواتها في البداية مرتجلة عشوائية، بعيدة عن الخبرة والاحترافية، ولم يعد الاستمرار على هذا النحو مقبولاً أو ممكنًا، فإنه يتسبب بالكثير من الخسائر المادية والبشرية، فلا بد والحالة هذه من الاهتمام بالتدريب، والتعليم للرقي بالثورة والثوار.
وقرابة نصف المجتمع هم من الطلاب في سن الدراسة، وإهمالهم سيكون له عاقبة وخيمة في تجهيل أجيال بأكملها، مما سيؤثر على مستقبل البلاد.
وفي المجتمع العديد من الشباب والشابات والأرامل، والذين تتوافر لديهم الرغبة والمقدرة على الزواج، وإهمال هذه الرغبة قد يؤدي لعواقب لا تحمد، فلا بد من تلبيتها عن طريق الزواج.
إن كثرة ضغوط الانشغال بالثورة لا يمكن أن يوقف الحياة بحال من الأحوال، فلا بد للطالب من إكمال دراسته، ولا بد للراغب في الزواج أن يتزوج، وللمحتاج لصقل علمه وخبرته أن يتدرب، وهكذا فالثورة ليست عائقًا عن الحياة، بل هي مشروع حياة في حد ذاته.
وإنَّ إهمال هذه المتطلبات الحياتية فيه خطر على مستقبل الثورة، ومستقبل المجتمع، ولا يعني ذلك الانغماس فيها بالكليلة والانصراف عن العمل الثوري والجهادي، بل لا بد من الموازنة بينهما بحيث يعطى لكل منهما حقه.
وهذه سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والجهاد، فلم تتوقف الحياة رغم الهجرة، والحروب، وفقد الأقارب، وكثرة الآلام، بل كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على استمرار الحياة بكل مظاهرها في غزواته وحروبه.
ولعل هذا مما يخفف من شدة الأزمات ووطأة الآلام، ويضيف لها دافعًا جديدًا للاستمرار والبقاء.
https://islamicsham.org