الحدث السوري بين المحنة والمنحة
الكاتب : محمود الزعبي
الاثنين 5 مارس 2012 م
عدد الزيارات : 21310

بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
الحمد لله وهو للحمد أهل ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، من له الحكمة البالغة في قضاء الأمور وتقديرها ، يمتحن عباده بالمصائب والمحن حتى يستخلص منهم عباده الأبرار حملة الدين ودعاة الحق المبين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير قدوة في أقواله وأفعاله ، حيث نقل الأمة من ذلها واستضعافها إلى نصرها وتمكينها ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

 

وبعد :
كم من الأمور العظام كان ينظر إليها العبد المسلم على أنها محنة عظيمة وفتنة جسيمة ، وإذا بها تثمر من النعم ما يجعلها منحة ونعمة إلهية يعجز لسان العبد عن شكرها والثناء عليها.
فهاهي غزوة بدر تضرب أروع الأمثلة في ذلك ، حيث ظهر للمسلمين في بادئ الأمر أنها نهاية الإسلام وأهله في مهد دولته الجديدة في المدينة ، حيث فرضت عليهم الحرب بلا عتاد ولا استعداد ، فيرفع نبي الأمة يديه إلى رب الأرض والسماء مستغيثاً به طالباً منه النصر:(اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرضوإذا بها منحة إلهية غيرت وجه التاريخ وأذاعت صيت الإسلام وأهله ،، من هذا الذي يجرُؤ على مواجهة قريش ؟! من ذا الذي انتصرعلى قريش؟! إنهم المسلمون .. إذ غزوة بدر نقلتهم من قائمة القوم المستضعفين إلى مصاف الكبار الذين يحسب لهم حساب .
وهاهي غزوة أحد التي هي في حساب الموازين الأرضية غزوة خاسرة انتصر فيها المشركون على المسلمين ، إلا أنها في حساب الموازين السماوية غزوة منتصرة تكاد تنافس غزوة بدر على صدارة الغزوات حيث كان من أبرز ثمارها العظمى انقسام المجتمع المسلم إلى صفين: مسلمين خلص ومنافقين ،ولعل هذا شبيه وقريب بثورتنا المباركة بإذن الله حيث بينت – وما تزال تفرز وتبين – الأصيل من العميل ، حتى يخرج المجتمع فيما بعد أحد رجلين: أمين أو خائن.
وهاهي حادثة الإفك تقع في عرض النبي صلى الله عليه وسلم فلا يهنأ النبي صلى الله عليه وسلم  فيها على مدار خمسين يوماً بعيش ، وزوجته عائشة رضي الله عنها لا يجف لها دمع ،والثمرة العظمى – أيضاً – ظهور المنافقين على السطح من جديد  وإيضاح أنهم يتربصون بالإسلام وأهله ويحدثون فيه الثغرات حتى ينفر أهله منه ، فإذا بهم تنقلب الموازين عليهم فيتمسك المسلمون بدينهم أكثر وينفرون من المنافقين أكثر وأكثر ؛ حتى يقول عبد الله رضي الله عنه - ابن رأس المنافقين وصاحب فتنة الإفك – يا رسول الله إن أردت قتل أبي فمرني أنا أضرب عنقه .. تبرؤ من القرابة والعصبية القبلية فداء للإسلام وأهله ... ولعل هذا أيضا شبيه بثورتنا حيث يتبرأ الثوري من أبيه وأخيه إن كان واقفاً في صف النظام.
وغيرها من النماذج الكثير الكثير لمن ألقى طرفاً على تاريخ الأمة المحمدية ؛ تبين لنا أن المحن هي الغطاء الرقيق للمنح، وكلما اشتدت وطأة المحنة كان بريق المنحة أكثر لمعاناً وألذ طعماً، حالها حال الحليب في بطون الأنعام كيف يكون مختلطاً وممتزجاً بالدم والرفث ؛ وإذا به يخرج لبناً سائغاً للشراب يتلذذ الشارب بشربه (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ) وأكرم بها من عبرة .
وثورتنا السورية المباركة بإذن الله هي واحدة من هذه الحوادث التي ظاهرها العذاب والابتلاء ، وباطنها النصر المبين .
وحتى لا يكون الكلام مجرد جبر للخاطر، أو مواساة كلامية فقط؛ أذكر فائدة وثمرة واحدة للثورة السورية لو لم تخرج هذه الثورة إلا بهذه الثمرة فقط لكفت ، ولكانت فتحاً مبيناً لهذا الزمان ، هذه الثمرة هي :
فضح عوار الرافضة وحزب اللات اللبناني ، وتعرية النصيرية الباطنية
لقد جهد الرافضة على مدى عقود خمس ماضية في بناء مشروعهم الذي خطه لهم خمينيهم البائس المتمثل في تصدير الثورة الشيعية ابتداء من الدول المجاورة لإيران ؛ وانتهاء بهدم الكعبة المشرفة.
ولقد عجز الدعاة والمصلحون عن وقف هذا الامتداد الصفوي الفارسي المجوسي على مدى تلك العقود الماضية ،إلى أن جاءت هذه الثورة المباركة بإذن الله لا لتوقف هذا الامتداد الصفوي فحسب ؛ بل لتقتلعه من جذوره وتلقيه في مزابل التاريخ .
فكيف لو استطرد القلم في ذكر ثمرات هذه الثورة؛ مِن  : تآلف قلوب الناس على قلب رجل واحد وكأن أرواحهم  هي عبارة عن روح واحدة تسكن ملايين الأجساد ، واستنهاض همم الشباب وصحوتهم من غفلة اللعب واللهو إلى حمل قضية الأمة ،و ... و ... و ... إلخ
وأخيراً.. لا يتسع هذا المقال القصير لاستيعاب ثمرات هذه الثورة المباركة بإذن الله ، ولكنه يختصر الكلام بالتذكير بقوله تعالى:(لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم )
فكل دم سُفك ، وكل عرض انتُهك .. هو السور الحامي لدين محمد صلى الله عليه وسلم على أرض سوريا ، هذا إن لم يكن على مستوى الأمتين الإسلامية والعربية.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 


https://islamicsham.org