مؤتمر جنيف (2): قل لي من تفاوض أقل لك على ماذا ستحصل .
الكاتب : طريف يوسف آغا
الاثنين 13 يناير 2014 م
عدد الزيارات : 4309

 

كلنا يعرف المثل الشعبي الشهير (قل لي من تصاحب، أقل لك من أنت)، كعادتي بتوظيف الأمثال الشعبية كلما سنحت الفرصة، سأستعمل هذا المثل هنا وأُسقطه على مؤتمر جنيف(2) الذي هو حديث العالم اليوم، وحديث النظام الأسدي والمعارضة السورية، داخلها وخارجها وما بينهما، محاولاً استقراء نتائجه، هذا في حال وكُتب له أن ينعقد. سيكون أمام المعارضة هناك أربعة وفود رئيسية لتفاوضها.
 
وفد النظام: سيكون هذا الوفد بطبيعة الحال أهم وفود المؤتمر، بغض النظر عن الشخصيات التي ستكون فيه، وسبب أهميته يكمن في أن النظام الأسدي هو مَنْ مِنَ المفترض أن يتنازل ويسلم السلطة لحكومة انتقالية (كاملة الصلاحيات)، بما في ذلك قيادة الجيش والأجهزة الأمنية. ومجرد ذكر هذه النقطة بالذات يجعلني أضحك ممن يصدقون إمكانية حصول ذلك على الأرض وبصورة سلمية.
يخطئ الكثير حين يعتقدون أن عمر هذا النظام هو ناتج أربعين عامًا من حكم الأب ثم الابن. ففي الحقيقة، تم البدء بتحضيره والتمهيد له منذ بدء التحضير والتمهيد لإقامة إسرائيل في المنطقة في بداية القرن الماضي. ومن الأدلة على ذلك الوثيقة الفرنسية المؤرخة والموقعة عام 1936م، والتي يتعاطف فيها وجهاء الطائفة العلوية، ومنهم جدُّ الأسد الأب، مع إقامة دولة لليهود على أرض فلسطين من منطلق أنّ الشعبين اليهودي والعلوي لهما عدو مشترك هو العرب المسلمون السنة. ويطالبون فرنسا في الرسالة بعدم الجلاء عن سورية، أو منحهم وطناً على الساحل السوري قبل جلائها، أسوة بدولة اليهود الموعودة. 
طبعاً ما جرى بعد ذلك يثبت تلك الحقائق، وخاصة إهداء الأسد الأب الجولان لإسرائيل حين كان وزيراً للدفاع في حرب حزيران 1967م ومن دون قتال، ثم حمايته تلك الهدية هو وابنه على مدى الأربعين عامًا، تخللتها في بدايتها مسرحية ما سموها (حرب تشرين)، والتي كان الهدف منها ذرُّ الرماد في العيون ليس إلا. إذًا هذا النظام الذي أتى وتجذَّر في الأرض السورية بالحديد والنار وبمباركة دولية، شرقية وغربية، والذي ارتكب في عهد الأسد الأب أبشع مجزرة في النصف الثاني من القرن العشرين (مجزرة حماة)، والذي ارتكب في عهد الابن ما يعجز عن وصفه الكلام، هل يظن أحد أنّ هذا النظام سيسلم الحكم هكذا وببساطة ويحكم على نفسه وعلى طائفته برمتها بالإعدام أو التهجير؟ فهذا النظام تم تصميمه منذ البداية على مبدأ (القصر أو القبر) أو القنبلة التي تنفجر في وجه من يعبث بها.
 
الوفد الروسي: تجاوزت روسيا بدعمها لنظام الأسد المافيوي كل التوقعات والحسابات. ولكن سنفهم مبرر هذا الدعم إذا عرفنا أنّ سورية تشكل اليوم آخر موطئ قدم للقواعد العسكرية الروسية الدائمة على حوض المتوسط، كما أنّ الروس هم اليوم المصدر الرئيسي لتزويد النظام بالأسلحة المتطورة والباهظة الثمن. سقوطُ النظام الأسدي تحت بنادق الثورة سيعني بالتالي طرد الروس من سورية وإلى غير رجعة، كما حصل لهم في ليبيا مؤخرًا وفي أفغانستان قبلها، وخسارتهم تجارة السلاح. فهل حقًا تتوقعون أن يعمل الوفد الروسي في المؤتمر على هدف إزالة هذا النظام وحرمان نفسه من كل تلك المكتسبات وتكرار ما حصل له في الماضي القريب؟
 
الوفد الايراني: (في حال تمت دعوته) بعد وصول الخميني إلى الحكم عام 1979م، أعلن على الملاً بأنه سيعمل على (تصدير الثورة)، وهذا يترجم على الأرض إكمال (المشروع الصفوي) بتوسيع مناطق نفوذه شرقًا وغربًا، بعد أن حقق ذلك في إيران وأذربيجان وأفغانستان وجنوب العراق وشرق الجزيرة العربية في القرن السادس عشر وعلى مدى قرنين ونصف. وكما شاهدنا، فقد سلّمت أمريكا العراق كاملاً لإيران، مقابل مساعدة الأخيرة لها في النواحي الأمنية هناك وفي أفغانستان. وقد نسيت إيران الشيعية عداءها التاريخي للعلويين وتحالفت مع نظام الأسد الأب بما يشبه زواج المتعة (المحلل شيعًا)، أو زواج المصلحة المحلل عالميًا. ثم استغلت ضعف شخصية الأسد الابن وتمددت في سورية في مجالات ما كانت متاحة لها في عهد الأب، الذي كان يتعامل معها كحليف، ولكن أيضًا بحذر، بسبب تاريخ الطائفتين العدائي. وقد صرفت إيران مليارات لتقوية نفوذها في سورية، متخفية في قميص المقاومة والممانعة، فاشترت الأراضي وافتتحت الحسينيات والمراكز الثقافية، وتغلغلت في الأجهزة الأمنية وفي صف صانعي القرار، وأمرت ميليشياتها اللبنانية (حزب الله) والعراقية (لواء أبو الفضل العباس) واليمنية (الحوثيون) بالدخول إلى سورية للدفاع عن النظام، وبالتالي عن مصالحها وأملاكها ونفوذها. هل حقًا تتوقعون أن يعمل الايرانيون في المؤتمر القادم، إذا حضروه، على إقصاء نظام الأسد واستبداله بحكومة انتقالية كاملة الصلاحيات؟
 
الوفد الاسرائيلي: قد يتفاجأ البعض من إدراجي إسرائيل كمشارك في هذا المؤتمر. هي –طبعاً- لن تحضر بشخصيات رسمية، بل ستكون ممثلة بولية أمرها في العالم، وهي بطبيعة الحال أمريكا، وبشاهدين من أهلها، إنكلترا وفرنسا. هذا الوفد، الذي سيكون ممثلاً بتلك الأطراف الثلاثة، سيكون بالتأكيد صاحب الأمر والنهي والقرارات الحاسمة في المؤتمر، لأنّ النظام العلوي عمومًا والأسدي خصوصًا، هو من ضَمن وصول إسرائيل إلى ما وصلت إليه اليوم، وقام بتصفية المقاومة في لبنان، ولعب دورًا حاسمًا في خروجها من الأردن. الدليل على هذا الكلام، أنّ تلك الدول الثلاث المذكورة هي من كالت الوعود بتسليح الثورة السورية ومعاقبة النظام الأسدي، وحتى قصفه. ولكنها كانت دائمًا تجد الأسباب وتمثل المسرحيات التي تجعلها تتراجع عن وعودها وتعهداتها، حيث كانت حجة مقاتلي القاعدة آخر تلك الأسباب وصفقة الكيماوي آخر تلك المسرحيات.
لاشك أن كثيرا من أعضاء الائتلاف، والذين يتم الضغط عليهم ليحضروا المؤتمر، يدركون كل هذه الحقائق، ويدركون أنّ الغاية من انعقاده إنما هي طعن الثورة وتفريق المعارضة أكثر مما هي متفرقة. ومن جهة ثانية، إعادة تأهيل أو إنتاج النظام بحلة جديدة أكثر قبولاً داخليًا وخارجيًا، على الطريقة اليمنية، على أن تبقى مفاصله الحساسة بيد العلويين. 
ولذلك نجد أنّ الشرفاء من تلك المعارضة ممن يدركون ذلك، يرفضون الذهاب إلى المؤتمر قولاً واحدًا، أما من يطمع منهم بمناصب مستقبلية، فيحاول جاهدًا إيجاد وتسويق المبررات المقنعة لذهابه. 
وإذا عدنا إلى مقولة وشعار الشرق والغرب معًا بأن (لا حل في سورية إلا الحل السياسي) فترجمتها هي أن النظام بتركيبته الحالية غير مسموح أن يسقط عسكرياً. 
 
للجميع أقول: إن هدف جنيف2 من هذا المنطلق إنمّا هو القضاء على الثورة المسلحة وتكريس مفهوم (عفا الله عما مضى والمسامح كريم) وتسليم البلد من بابه لمحرابه لإيران (حليف أمريكا الجديد) على الطريقة العراقية، وأيضًا عدم المساس بمصالح روسيا الحالية، مادام كل هذا يصب في ضمان أمن وأمان إسرائيل. كل هذه الحقائق تؤكد أن الخطة (أ) للمؤتمر هو إنهاء الثورة وإعادة إنتاج النظام، أما الخطة (ب) في حال فشلت (أ)، فهي إعطاء الأسد مزيدًا من الوقت لإنهائها على طريقته التي يجيدها. وبالتالي فالنظام الأسدي لن يزول لا بمؤتمرات ولا باتفاقيات، بل بنفس أدواته التي استعملها مع شعبنا على مدى العقود الماضية: الحديد والنار. أما الشيء الوحيد الذي يمكننا استنساخه من الغرب وتطبيقه في سورية الآن فهو إما سيناريو الثورة الفرنسية (10 سنوات و30 ألف قتيل) أو الحرب الأهلية الأمريكية، وتعرف أيضاً بحرب تحرير العبيد الأمريكية (4 سنوات و620 ألف قتيل). فكلا الحدثين، على دمويتهما، أنتجا دولتين باتتا فيما بعد من الدول العظمى.
الثورة السورية لن ترضى بأقل من تضع نهاية لهذه الحالة الشاذة، حالة استعباد أقلية للأكثرية لتحقيق المصالح الدولية والإقليمية، وبالتالي فصراعها مع هذا النظام يجب أن يكون على نفس مبدأه: (يا قاتل يا مقتول)، لا أكثر ولا أقل، ولتترك المؤتمرات لأصحابها.
 

https://islamicsham.org