كنت على موعد عائلي منذ أيام، وفيما كنت أتجهز للخروج مع أطفالي كانت صغيرتاي تتنقلان في أنحاء البيت بكل سعادة وتشاركانني في تجهيز أنفسهن وما يلزم.. ويرددن أسماء أقاربنا وابنة خالهن المفضلة (بانة) ويخططن للعبهن معها.. بل إنهن جمعن بعضا من لعبهن ليأخذنها معهن وتكتمل بذلك فرحتهن ..
وحين أردنا الخروج أمسكتُ بيدي ابنتي الاثنتين -لأنهن لا يسمحن لي أن أمسك بيد واحدة دون الأخرى- وانطلقنا نحو الباب ..
وحين فتحت الباب سبقتني الكبرى وخرجت.. لكنها ما لبثت أن صرخت وتغير لون وجهها، وكنت حينها قد وصلت إليها.. فنظرت حيث فزعَت وأشارت، وكانت الصغرى قد أمسكت بي أيضا.. وإذ بي أرى بعض الجيران وقد اجتمعوا على عدد من الخراف وقاموا بذبحها.. وكانت الدماء تملأ الشارع والخراف ممدة على الأرض ..
لم يأخذ هذا المشهد من الوقت سوى ثوان.. كان وضع ابنتي قد انقلب خلال هذه الثواني القليلة رأسا على عقب وامتقع لونهن وهرعن إلى داخل المنزل يرفضن الخروج ويتشبثن بعباءتي ويرجونني ألا نخرج.
دخلت المنزل مرة أخرى وتحدثت معهن بهدوء وأقنعتهن بالخروج ولكن الصغيرة بقيت متمسكة بالباب الداخلي وترفض الخروج إلى أن حملها أخوها الكبير وخبأت وجهها في صدره.. وأما الكبرى فخبأت وجهها بعباءتي وبقيت ممسكة برجلي إلى أن جاوزنا الشارع ..
بعد أن هدأت البنات وسكنت أنفسهن.. دار حديث في نفسي وتذكرت أطفال سوريا ..
كم من طفل في سوريا فزع حين سمع أصوات القنابل والمدافع والطائرات الحربية!!
كم من طفل في سوريا صاح صيحة رعب حين أطلقت النيران أمامه على والده أو أخيه أو جاره!
كم من طفل في سوريا ابتلت ثيابه من الرعب حين رأى منظر الجنود وهم يقتحمون داره ويقلبونها رأسا على عقب ثم يقتلون أباه وأهله!! بل وربما صوبوا نحوه البنادق.. ثم أردوه قتيلا أيضا!!
كم من طفل في سوريا وقف حائرا لا يدري ما يجري حوله.. ومع ذلك يجد نفسه ضحية لذلك!!
كم من طفل في سوريا امتقع وجهه وشحب لونه وانعقد لسانه حين رأى السكين وهي تلامس عنق والديه وأخوته.. والدماء تغرقه وتغرقهم !!
كم من طفل في سوريا كان الموت أرحم له من كل هذه المشاهد التي يشيب لهولها الولدان!!
لكم الله يا أطفال سوريا.. لكم الله يا أطفال وطني.. لكم الله يا أهل سوريا كلها ..
https://islamicsham.org