لقد عاثت الحركات الباطنية فساداً في حياة المجتمعات الإسلامية وتعقَّبها قادة المسلمين، وحاولوا القضاء على شرورها.
ومن أبرز تلك الحركات: الإسماعيلية صاحبة الدولة العبيدية (الفاطمية)، والقرامطة، والحشاشون، والنصيرية. ويُلاحَظ أن قادة هذه الحركات من أصل فارسي مجوسي؛ فهي عناصر حاقدة على المسلمين، تؤمن بالتقمص وإنكار يوم الآخر مع إباحة المحرمات، ولهم طموحات سياسية انفصالية، وعلى الرغم من اختلافها ببعض العقائد والأفكار، إلا أنها اجتمعت على شيء واحد هو محاربة الإسلام، وإفساد عقائده وارتكاب الكبائر وإباحة الأعراض، ناهيك عن سفك الدماء. ومن المعلوم أن هذه الحركات تتخذ التشيع ستاراً، لتخفي وراءه اعتقاداتها وأهدافها.
فالإسماعيلية: كان (ميمون القداح) من أكبر مؤسسيها وهو يرجع إلى أب يهودي كان ربيباً لمجوسي، أسس الدولة العبيدية، التي تسمى الدولة الفاطمية زوراً وكذباً. وقد تعاونت مع الصليبين ليساعدوهم ضد السلاجقة الأتراك السُّنة. وكان لملوكهم تاريخ حافل بالجرائم الشنيعة. قال أبو الحسن القابسي: (إن الذين قتلهم عبيد الله (جدهم) وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف رجل، ليردُوهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا والموت).
- وذكر القاضي عبد الجبار البصري: (أن الملقب بالمهدي لعنه الله، كان يتخذ الجهال ويسلطهم على أهل الفضل، وكان يرسل إلى الفقهاء والعلماء فيُذبحون في فرشهم).
أما القرامطة: فقد انتشروا في القطيف وما حولها، ومنهم أبو سعيد الجنابي (فارسي الأصل)، هاجموا بقيادته (دمشق) وكثيراً من مدن الشام، وأشاعوا فيها الرعب والدمار.
ومن أقبح جرائمهم هجومهم على مكة المكرمة بقيادة (أبو طاهر الجنابي)، وهو فارسي الأصل أيضاً؛ حيث قتلوا كلَّ من وجدوه في مكة والمسجد الحرام، عام 317هـ، وقد ألقوا بجثث القتلى في بئر زمزم، وكان الناس يفرون ويتعلقون بأستار الكعبة، فلا يغني ذلك عنهم شيئاً؛ بل يقتلون وهم كذلك، ويقتلون في الطواف، وأبو طاهر - لعنه الله - جالس على باب الكعبة، والرجال تُصرَع حوله في الشهر الحرام في المسجد الحرام في يوم (التروية) وهو يقول: (أنا بالله وبالله أنا *** يخلقُ الخلقَ وأُفنيهم أنا) وأمر بقلع الحجر الأسود، وسرقوه وبقي عندهم في القطيف (22 سنة).
الحشاشون: وهي فرقة باطنية انفصلت عن الإسماعيلية والدولة العبيدية بمصر بقيادة (الحسن بن الصباح)، وكان مركزها الأساسي في قلعة (آلموت) في بلاد فارس، كان ذلك منذ أواخر القرن الخامس الهجري، واستولوا بعدها على عدد من الحصون في بلاد الشام، وتميزوا باغتيال قادة الجهاد والعلماء، كانوا خناجر غادرة تطعن قادة الأمة: من فقهاء وخلفاء ووزراء؛ إذ اغتالوا اثنين من الخلفاء العباسيين، وحاولوا مرتين اغتيال السلطان صلاح الدين الأيوبي في عامَي 570 - 571هـ بينما كان في خيمته.
كما أنهم أشاعوا الرعب والخوف بقطع الطرق والاعتداء على القرى المجاورة، يقتلون الناس ويستولون على ما لديهم من متاع ومال.
ولم تسلم قوافل المارة بجوار قلاعهم من القتل والنهب فأصبح الناس لا يأمنون على أنفسهم ولا أولادهم وأموالهم. وكان الرجل إذا تأخَّر عن بيته عن الوقت المعتاد، تيقن أهله مِن قَتْله وقعدوا للعزاء به، وصاروا لا ينفرد أحدهم في مسيره.
ولم يسلم الحُجاج من بطش الباطنيين هؤلاء؛ ففي عام 498هـ تجمعت قوافل الحُجاج في ما وراء النهر وخراسان والهند، فوصلوا إلى نيسابور، فباغتهم الباطنيون وقت السحر، ووضعوا فيهم السيوف وقتلوهم، وغنموا أموالهم ودوابهم، وكرروا ذلك في حجاج خراسان، قتلوهم جميعاً، وكان منهم الأئمة والعلماء والزهاد.
النصيرية: حركة باطنية، ظهرت في القرن الثالث الهجري، تُنسَب إلى محمد بن نصير النميري البصري، وهو فارسي الأصل، ادَّعى النبوة وقال بإباحة المحرمات.
ترأس الطـائفة بعده عام 270هـ، محمد بن الجنـان الجنبلاني، ثم حسين بن حمدان الحصيبي أحد أقارب سيف الدولة الحمداني، وقد ساعده هذا الأمير على بث دعوته وجمع كلمة الطائفة النصيرية في حلب وما حولها، فكل هؤلاء كانوا من أصل فارسي، يمجدون الشخصيات الفارسية، وتؤمن هذه الطائفة كغيرها من الباطنيين بالتقمص وإنكار الآخرة والحساب والجنة والنار، وإباحة المحرمات، ولهم طموحات انفصالية.
وقد كان النصيريون خلال تاريخهم يتعاونون مع الغزاة على بلاد الشام؛ إذ تعاونوا مع الحملات الصليبية على بلاد الشام، كما تعاونوا مع المغول التتار، فكانوا يغدرون بجيوش المسلمين وينهبون ويقتلون.
وفي أيام الدولة العثمانية، تعاونوا مع الصفويين لحرب أهل السُّنة، وقاموا بعدة ثورات ضد المسلمين عام 1834م؛ إذ هاجموا مدينة اللاذقية، ونهبوا وقتلوا، فعاقبهم الوالي بشدة، ثم حاول السلطان عبد الحميد إصلاحهم وبنى لهم المدارس والمساجد لكن بلا فائدة.
كما هاجموا مدينة (جبلة) فقتلوا ونهبوا، وسبُّوا الشيخين أبا بكر وعمر، وكانوا ينادون: لا إله إلا علي، ويطلبون من الأسير أن يقول بذلك كما خربوا المساجد واتخذوها خمارات، فجرد السلطان إليهم العساكر وهزموهم.
أما المستعمر الفرنسي فقد كرس الطائفية في البلاد وجعل للنصيريين دولة، وقد رفعوا عدداً من المذكرات عام 1936م إلى حكومة فرنسا، يطالبون فيها بتكريس انفصالهم.
وبعد الاستقلال خططوا للتغلغل في أوساط الجيش، والدخول في الأحزاب السياسية القومية كحزب البعث والقومي السوري، وعقدوا المؤتمرات للتوصُّل إلى سدة الحكم، وتخلَّصوا من الكتل العسكرية المناوئة.
فهل يعيد التاريخ نفسه في هذه الإبادة الجماعية: من تعذيب وحشي وسفك للدماء؟ فالمتظاهرون يصرون على أن ثورتهم سلمية، وينفون عنهم الحزبية والطائفية؛ إلا أن السلطات العسكرية هي التي تجر البلاد إلى طائفية بغيضة، يترفع الشعب السوري عنها طيلة تاريخه الطويل؛ فقد كان وما يزال يتعايش مع كل الأقليات ضمن سماحة الإسلام وهديه، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك.
اللهم جنب البلاد والعباد، شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ألهم المسلمين رشدهم، وانصرهم على عدوهم، إنك على كل شيء قدير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• جزء من مقال (مجازر سوريا والجذور الباطنية).
https://islamicsham.org