الكاتب : د. عماد الدين خيتي
طهارة المسلم (3)
الوضوء
تعريفه:
التعبُّدُ لله تعالى باستعمال الماء في غَسلِ أعضاءٍ مخصوصةٍ، بكيفيةٍ مخصوصةٍ.
شروط الوضوء:
1_ يُشترط لوجوب الوضوء: التَّكليف (البلوغ والعقل)، ووجود الماء، والقدرة على استعماله.
فلا يجب الوضوء على الصغير أو المجنون، لكن لو أراد الصغير المميز الصلاة فلا بد له من الوضوء.
2_ ويُشترط لصحة الوضوء: الإسلام، فلا يصح من الكافر، والنيَّة، وهي عزم القلب على الفعل تقرباً إلى الله تعالى، والنية محلها القلب.
ولابدَّ من إزالة النَّجاسة من البّدن قبل الوضوء.
كما يجب إزالة ما يمنع من وصول الماء إلى أعضاء الوضوء من: طلاء الأظافر، أو "كريمات" وزيوت الشعر، أو مساحيق التَّجميل، أو الأصباغ التي تُستخدم في الطلاء، أو الصَّمغ، أو غير ذلك.
أما إن كانت بعض "الكريمات" والأدهان للشعر أو الجلد لا تمنع وصول الماء للبشرة بسبب قلتها، أو نوعيتها التي لا تمنع وصول الماء: فلا تجب إزالتها.
أركان الوضوء:
للوضوء أركانٌ ستة يجب القيام بها حتى يصح الوضوء:
1_ غسل الوجه.
وحدود الوجه: ما بين منابت شعر الرأس إلى منتهى الذقن طولاً, وما بين شحمتي الأذنين عرضاً.
ومع غسل الوجه يَتَمَضمَض ويَستَنشِق. والمضمضة: إدخال الماء في الفم وإدارته ثم طرحه. والاستنشاق: إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنَّفَس إلى الأنف.
2_ غسل اليدين إلى المرفقين.
والمرفق: فهو موضع اتصال الذراع بالعَضُد، ويكون غسل اليدين من رؤوس الأصابع إلى نهاية المرفقين شاملاً الكفين والذراعين.
3_ مسح الرأس، ويمسح معه الأذنين.
4_ غسل القدمين إلى الكعبين.
والكعبان: هما العظمان الناتئان على جانبي القدم، ويجب أن يشملهما الغسل.
5_ التَّرتيب: بين أركان الوضوء كما ورد في القرآن والسُّنَّة.
6_ المُوالاة: أي متابعة أفعال الوضوء بحيث لا يقع بينها ما يُعد فاصلاً طويلاً.
ومن الأدلة على هذه الأركان:
قوله تعالى: { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].
وحديث أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ دَعَا بِوَضُوءٍ [الماء الذي يتوضأ به] فَتَوَضَّأَ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ [استنشاق الماء من الأنف، ثم إخراجه]، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا). رواه البخاري ومسلم.
وقد (رأى النَّبِيُّ _صلى الله عليه وسلم_ رَجُلاً يُصَلِّى وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ [قَدْرٌ يسير، يمكن تقديره بطرف الإصبع]لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ) رواه أبو داود وأحمد.
سنن الوضوء:
1_ التسمية في أول الوضوء، بقول (بسم الله).
2_ غسل الكفين ثلاثاً قبل البدء في الوضوء.
3_ البدء بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه.
فلو غسل وجهه ثم تمضمض واستنشق، لكان وضوؤه صحيحًا، ولكنه خالف السُّنَّة.
4. السِّواك، ويكون استخدامه أثناء المضمضة أو قبل الوضوء؛ لضمان النظافة الكاملة للفم والأسنان، لحديث أَبي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ) رواه البخاري معلقًا، وأحمد.
5_ البدء باليمين عند غسل اليدين والقدمين.
6_ غسل الأعضاء ثلاثاً إلا الرأس فيُمسح مرة واحدة.
ولا يجوز غسل العضو أكثر من ثلاث مرات؛ لأنَّه مخالفٌ لسنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم: فقد (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_ يَسْأَلُهُ عَنْ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ) رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد.
7_ تخليل اللحية والأصابع.
فمعنى التَّخليل: إيصال الماء إلى منابت شعر اللحية، وأصول الأصابع: بإدخال أصابع اليد بين أصابع اليد الأخرى.
8_ الدَّلك: وهو إمرار اليد على العضو بعد صب الماء.
9_ الاقتصاد في الماء.
10_ الذِّكر بعد الوضوء بقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، ويستحب أن يُضيف: (اللهم اجعلني من التَّوابِين واجعلني من المُتَطِّهرين).
نواقض الوضوء:
وهي الأمور التي تُسبب الحَدَث الأصغر، وهي:
1_ خروج شيء من السبيلين (القبل والدبر) كخروج البول والغائط، والمذي والودي، والريح.
2_ زوال العقل سواء كان بجنون أو إغماء، أو بالسُّكر، أو بسبب استعمال نوع من الدواء.
3_ مس الفرج من نفسه أو من غيره (القُبُل أو الدُّبر) دون حائل، على الأرجح.
والأحوطُ عند مسِّ فرج الطفل الصغير عند تغيير الحفاظ له، أو تغسيله إعادة الوضوء؛ لقوة القول بأنه ينقض الوضوء.
4_ النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك.
أما النعاس والنوم الخفيف الذي يشعر معه الإنسان بما حوله: فإنَّه لا ينقض الوضوء.
5_ أكل لحم الإبل، على الأرجح من أقوال أهل العلم؛ فقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلاَ تَوَضَّأْ، قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ). رواه مسلم.
أمور لا تنقض الوضوء على الأرجح:
1_ لمس المرأة دون حائل؛ لأن معنى الملامسة في قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} الجماع، كما ورد ذلك عن عدد من الصحابة، ولأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبَّل نساءه وخرج للصلاة، وأنه لمس عائشة _ رضي الله عنها _ أثناء صلاته ليلاً.
2_ القهقهة في الصلاة: لضعف الحديث الوارد في ذلك.
3_ خروج الدم من الجسم بسبب الجروح أو الكسور، أما خروجه من أحد السبيلين فينقض الوضوء.
3_ خروج الريح من قُبُل المرأة (المهبل)؛ لعدم الدليل على ذلك، ولأنه ليس كريح الدبر.
4_ رطوبة فرج المرأة: لعدم الدليل عليه، واختلافه عن البول.
لو شكَّ الإنسان في طهارته:
الأصل والمعتَمَد في ذلك اليقين، فيعمل الإنسان على ما يتيقَّنه.
فمن تَيَقَّنَ الطَّهارَةَ وشَكَّ في الحَدَثِ فهو طاهِر, ومَنْ تَيَقَّنَ الحَدَثَ وشَكَّ في الطَّهارَةِ فهو مُحْدِثٌ, فاليقين لا يزول بالشك.
أمَّا إن حَصَل الشك في وقوع النَّاقض أثناء الصلاة: فلا يلتفت إليه حتى يتأكد من حدوثه؛ لحديث عبد الله بن زيدٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: (لا يَنْفَتِلْ، أَوْ لا يَنْصَرِفْ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) رواه البخاري ومسلم.
من كان عنده ناقِضٌ مستمر _مثل سلس البول، أو الاستحاضة:
يجب عليه إزالة النَّجاسة، ووضع ما يمنع وصول النجاسة إلى الملابس بوضع خِرقة أو حفاظة أو قطن أو غيره على الفرج، ثم الوضوء بعد دخول الوقت، ثم أداء الصلاة، ولا يضرُّ نـزول النَّجاسة بعد الوضوء أو أثناء الصلاة، ولو تَلَوَّث جسمه أو ثيابه بها؛ لأنَّ ذلك خارجٌ عن قدرة الإنسان، ولا يُكلِّف الله نفسًا إلا وسعها.
ويفعل ذلك عند كل وقت صلاة مفروضة، ويكون على وضوئه ما بين وقت الفريضتين ما لم يُحدث بغير هذا السبب.
ما يحرم فعله على من عليه حدث أصغر:
1_ الصلاة مطلقًا: فرضًا أو نفلاً؛ لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا...
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) رواه مسلم.
2_ مس المصحف:
ذهب جمهور أهل العلم إلى تحريم ذلك، مستدلين بما رواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن كتابًا وكان فيه: (لا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلا طَاهِرٌ) رواه الدارقطني.
وذهب عددٌ من أهل العلم إلى أنه يجوز للمحدث حدثًا أصغر مَسُّ المصحف، وأجابوا عن الحديث بأن المراد بالطهارة طهارة المؤمن.
ويجوزُ مسُّ كتب التفسير التي يكون فيها التفسير أكثر من القرآن وكذا الأجهزة الإلكترونية المحتوية على نص القرآن الكريم من غير طهارة من الحدث الأصغر والله أعلم.
وأما القراءة منه دون مسٍ فهي جائزة اتفاقًا.
3_ الطواف بالكعبة:
ذهب جمهور أهل العلم إلى اشتراط الوضوء للطواف؛ استدلالاً بحديث: (الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ) رواه الترمذي.
وذهب عددٌ من أهل العلم إلى صحة الطواف بغير وضوء.
https://islamicsham.org