ماذا أصابك أيها المفتي؟
الكاتب : عبد الرحمن عبد الله الجميلي
الثلاثاء 31 يناير 2012 م
عدد الزيارات : 25156

       تألق الشيخ أحمد بدر الدين حسون في محاضراته وخطبه في مدينة حلب، حتى ذاع صيته وانتشرت كلماته المسجلة هنا وهناك، وغدا مقصوداً للناس من كل أرجاء الشهباء وريفها، بل كثيراً ما يرتاد لقاءاته أناس من المدن المجاورة، خاصة المحاضرة الأسبوعية التي كان يلقيها (يوم الأحد) في جامع آمنة بنت وهب في حي سيف الدولة.

       كنا نتابع هذه المحاضرات، ونستمتع كثيراً بالأسلوب البديع، والبشائر المشرقة، والردود الشجاعة، حتى صرنا ندعوه بحامي الدين وحارسه الأمين... ولكن سرعان ما أفل نجم الشيخ، وتلاشت محبته، ونفر الصالحون من دروسه ولقاءاته...! فما الذي تغير؟ وما الذي جرى ؟ ولِمَ هذه النُّفرة؟ هذا ما سنعرفه في الكلمات الآتية:

       بدأت تتسرب حول الشيخ أخبار! خبر من هنا، وآخر من هناك، تتحدث عن عدم نزاهة هذا الشاب المتألق، وعن دخوله في كواليس المخابرات السورية وسراديبها، يخبر عن الشباب الصادقين، ويدلُّ على بيوت الصالحين؛ ليكونوا ضحية في زنازن زبانية النظام ومجرميه. قال طالب وجارٌ لي في المسكن: كيف تفسر قدرة حسون على انتقاد الحكومة ولمزها وغمزها؟ وغيره من مشايخ الدين لا يقدرون أن يحركوا شفاههم بكلمة ضد هذا النظام الظالم؟

      لم أهتم كثيراً بهذه الأخبار وتلك المقالات في الشيخ الحسون، إلا أنني في جلسة من جلسات المحادثة والحوار مع بعض الزملاء من أهل الفكر والاهتمام بالقضايا الدينية، قال أحدهم: ما رأيكم يا شباب أن تسمعوا الكلمة الأخيرة لأحمد حسون؟ قلنا: لا بأس.

       استمعنا له، وهو يبين كيف أعطى للغرب صورة عظيمة للتسامح في الإسلام، وذلك في لقاء له في إحدى الدول الأوربية، ثم هجم الشيخ على فقهاء المسلمين وعلمائهم:" من أين جاؤوا بحديث(لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام)؟ من أين جاء الفقهاء بهذا الحديث؟ قلنا: يا قوم الحديث صحيح ثابت، بل هو في صحيح الإمام مسلم، فكيف ينكره الشيخ أحمد؟! فتبين لنا أن الرجل يحكِّم عقله وأهواءه في قبول أو رد السنة النبوية؛ كل ذلك ليحظى بالقبول والإعجاب في المحافل والمؤتمرات الدولية.

       وحينما مات حافظ الأسد كنت أتابع مشهد الجنازة والصلاة عليه، فرأيت أحمد حسون مرة أخرى، رأيته ينظر إلى بشار، يقترب منه ويقترب، ويفرِّق الحشود، ويجتهد بقوة للوصول إلى بشار، ليراه، لينعم بالقرب منه... بينما نجد العلماء الصادقين أبعد الخلق عن أبواب الظلمة والمجرمين والسفاحين، فضلاً عن التصدر للدعاء لهم أو للصلاة عليهم.

       دخل الحسون في مجلس الشعب، وانتشرت أخبار علاقاته الحميمة بآل الأسد، والمتدينين الباطنيين منهما خاصة، كما ذاع صيته في التقرب للمسؤولين، وطلب الشهرة، والحرص على تحصيل أعلى الرغبات في الثراء والملك... حتى سمعنا بغضه وكرهه وعدم الرضا عنه على ألسنة أهل العبادة والتصوف فضلاً عن غيرهم في شتى أرجاء البلاد.

       انطلق أحمد حسون عبر جامع الروضة، وعبر لقاءاته الدولية، وغيرها، يبشر بأفكاره الجديدة والثورية، التي حارب بها حتى المدارس التي تربى وتعلم فيها، وراح يطلق الكلمات النارية الواحدة تلو الأخرى؛ ليكتسب درجة في السلطة البعثية الطائفية.

       وقف على منبر جامع الروضة، ووجَّه الرصاصة الأولى على أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، وابنة صاحبه الصدِّيق، وراح بابتسامته الصفراء، وتمايله الغريب، يهيِّئ الناس لتقبُّل ما سيقوله في أم المؤمنين... فانبرى يخطِّئها ويلومها ويؤنبها...ثم قال لها:"سامحك الله يا عائشة!".

       ظن أحمد حسون أن الناس قد قبلوا مقالته، ورضوا بنظرته الثاقبة، وأفكاره الباهرة، فراح يجهر بها أكثر، فخطب خطبة حماسية، استخدم فيها طاقته من معسول الكلام، وصفراء البسمات، ودغدغة مشاعر الحاضرين... كلها في عاشوراء، ثم وجه الرصاصات الحارقة على علماء وفقهاء أهل السنة، واتهمهم بالخيانة والتزوير، وأنهم حصروا سبب صيام عاشوراء في الشكر لله تعالى على نصره موسى على فرعون، ولامهم، وأنَّبهم، واتهمهم في دينهم؛ لأنهم-كما يزعم- لم يذكروا لنا مناسبة قتل الحسين في هذا اليوم الذي يصومه أهل الإسلام!!

       يلوم المفتي حسون علماء السنة الذين التزموا بما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث المعتمدة، والتي بينت سبب صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا اليوم! ويؤنبهم؛ لأنهم لم يتبعوا اختلاقات الجهلة التي لم تثبت في سنة صحيحة ولا في واقعة تاريخية معتبرة!

       ثم ترى الشيخ الذي أدار ظهره لفقهاء وعلماء أهل السنة، ورماهم بأبشع التهم وأقذع السِّباب، ووصفهم بالخيانة في التبليغ، ورماهم بكتم العلوم... قد فتح صدره إلى الكنائس النصرانية، يشاركهم في احتفالاتهم، ويعيِّد عليهم في أعيادهم، ويلقي الكلمات في محافلهم...فتأمَّل قوله -وهو يعرض آيات قرآنية من سورة مريم- فلما وصل قوله تعالى:" فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا "، قال الشيخ الحسون:"كلِّموه! فهو صغير في سنِّه، ولكن كبير في عمله ونوره وتقواه، إنه ابن روح القدس الذي باركته السماء". فصفق له جمهور الكنيسة في قداسهم. أعوذ بالله! كيف يجرؤ مسلم على مثل هذا القول الخطير؟

       ثم تراه يدافع عن أفكاره الغريبة بقوة، حتى وصل به الحد في لقاء مع الوفد الأمريكي أن قال:"لو طلب مني النبي محمد أن أكفر بالمسيحية واليهودية لكفرت بمحمد". ولا يسعني إلا أن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.

       أيها المفتي! لما قام أحد طلابك بالانشقاق عنك، والاتصال بالقنوات الفضائية وإظهار ما أنت عليه من السُّوء والفساد ومحاربة الشعب السوري في ثورته المباركة، وقفت في بيت الله تدافع عن نفسك، وتذكر فضلك، وتهدد أسرة هذا الشاب المنشق، كي يقفوا ويقولوا بأن ولدهم كذاب ودجال... ثم جاء شبيحة بشار وزبانيته بالأسرة(الأب والأم والأولاد) وأجبروهم على الظهور على الإعلام ليكذّبوا ولدهم ويبرؤوك!

       كيف تسمح لنفسك أيها المفتي أن تمارس أساليب المخابرات المجرمة، وتضغط على هذا الرجل الشيبة وزوجته وأولاده، وتحرجهم على أن يتكلموا في ولدهم؟ وأنت تعلم جيداً صدق ولدهم فيك، وتعلم -والناس يعلمون- أنهم ما جاؤوك إلا خوفاً من بطش سيدك بشار، وإخوانك الشبيحة، وأحبابك عصابات الأمن الإجرامية!

       أيها المفتي! هل صدَّقت نفسك يوماً بأنك مفتي البلاد السورية؟ قل لي بربك: من رشَّحك إلى هذا المنصب من علماء الشام؟ من اختارك من فقهاء البلاد لتكون مفتيها؟ هل اختارك الشيخ الشهيد إبراهيم سلقيني؟ هل اختارك شيخ القراء كريم راجح؟ هل اختارك شيخ حمص وعلامتها إسماعيل المجذوب؟ من زكَّاك من علماء البلاد؟

      لم أجد أحداً زكاك من فضلاء البلاد وعلمائها، أو من عبَّادها وصالحيها، إنما وجدت لك تزكيات صادرة من خارج البلاد، تزكية من رئيس البرلمان الأوربي بوترينغ؛ لأنك على حد قول هذا الأوروبي مدافع بامتياز عن حوار الثقافات العالمي. وكذلك وجدت لك تزكية عند مجوس إيران، حيث وضعوا اسمك في كتابهم(المتحولون إلى التشيع)، وأثنوا عليك ثناءً كبيراً؛ لأنك قلت في الصحابي معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-:"سيكون لك موقف أمام الله يسألك عنه يا معاوية"، ولأنك أسأت إلى أمِّنا عائشة، كما مرَّ ذكره.

       اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 


https://islamicsham.org