خطبة : الثورة السورية وواجب النصرة
الكاتب : المكتب الدعوي - هيئة الشام الإسلامية
الثلاثاء 11 ديسمبر 2012 م
عدد الزيارات : 28635

 

تضامناً مع أهلنا المرابطين على أرض سوريا الحبيبة ، وقياماً بواجب النصرة لهم ، وتكاتفاً مع جميع الجهود الداعية لنصرة الثورة السورية. فقد قام المكتب الدعوي بهيئة الشام الإسلامية بإعداد هذه الخطبة لتوزيعها على أكبر عدد ممكن من الخطباء في اليوم العالمي لنصرة الثورة السورية الذي دعا إليه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

نسأل الله تعالى أن يكتب الأجر العظيم لكل عامل في نصرة المسلمين وخدمة قضاياهم ، ويرفع درجاتكم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ولي المتقين ، وناصر المستضعفين ، يخفض ويرفع ، ويعزّ ويذل ، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذلّ من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وراقبوه في السر والنجوى .. فهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله )

أيها الإخوة المسلمون:

عشرون شهرا مضت على الثورة السورية المباركة التي لم ير التاريخ لها مثيلا ، عشرون شهرا من القتل والذبح والدمار من قبل عصابات باطنية لم ير التاريخ لها مثيلا في الإجرام، عشرون شهرا من الصبر والثبات والجهاد والتضحية من قبل شعب تعاد صياغته الآن بحكمة الله وقدره ومشيئته.

لقد حركت هذه الثورة قلوب العالمين وأذهلت عقولهم ، فما بال قلوب قوم هم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتا ويزعمون أنهم على ملتنا ثم هم لايشعرون ولا على قومهم يحزنون.

عجبا لهؤلاء فإن لم تحركهم الرابطة الدينية فما بال الرابطة القومية لاتحرك فيهم نخوة ولا مروءة أم هذه أيضا انسلخوا منها.

إن الانتصار للمسلم المظلوم هو من أوجب الواجبات وهو من علامات الإيمان والإسلام .

وإذا كان الناس في الجاهلية يتناصرون فيما بينهم من أجل دين باطل أو دنيا زائفة، فإن المؤمنين يتناصرون فيما بينهم بأعظم عقد وعهد بينهم ألا وهو الإيمان بالله وحده، والاستسلام لدينه الحق، قال تعالى: {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] قال البغوي: «قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فِي الدِّينِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ وَالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ».

فالإيمان يثمر الولاء الذي يقتضي المحبة والنصرة، حتى يصبح المؤمنون كالبنيان كما قال رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً»، وشَبَّكَ بين أصابعه.

وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه اللحمة الإيمانية بقوله: «مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى».

ومثل ذلك عقد الإسلام كما في الصحيحين عن عبد الله ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمُ أخو المسلمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلِمُه»، وَقَوله: «لَا يُسلمهُ» أَي لَا يتْركهُ مَعَ مَا يُؤْذِيه، بل ينصره وَيدْفَع عَنهُ.

ومن هنا فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم النصرة للمسلم من كل وجه وبكل سبيل، وذلك عندما قال: «انْصُرْ أخَاكَ ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسولَ الله أنصرُه إِذا كان مظلوماً، أَفرأيتَ إِن كان ظالماً: كيف أنصُرُهُ؟ قال: تحجزُه أو تمنعُه عن الظلم، فإن ذلك نَصْرُهُ»

وذلك أن الناس في الـــجاهلية كانوا ينصر بعضهم بعضاً فـــي الــــحق والباطل، ففي صحــــيح مسلــم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قـــال: «اقتتــل غـــلامان، غــلام من المهـــاجرين، وغـــلام من الأنــــصار، فنادى المهــــاجــرُ - أو المهاجــرون -: يا لَلْمُهاجرين، ونادى الأنصــاري: يا لَلأنصَار، فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ قالوا: لا، يا رسولَ الله إِلا أن غلامين اقتتلا، فَكَسَعَ أحدُهما الآخر، فقال: لا بأس، ولْيَنْصُرِ الرجلُ أخاه ظالماً أو مظلوماً، إِن كان ظالماً فَلْيَنْهَهُ، فإنه له نصر، وإِن كان مظلوماً فلينصره».

وتتأكد النصرة للمسلمين إذا كانت من أجل الدين وردِّ الفتنة عنهم، كما قال تعالى: {وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72].

والمسلم يقوم بذلك لوجه الله، يرجو رحمة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نَفَّسَ عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدنيا نَفَّسَ اللهُ عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة، ومن يَسَّرَ على مُعْسِر، يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِماً سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيا والآخِرَةِ، واللهُ في عَونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عَونِ أَخيهِ».

لقد قام علماء السلف بواجبهم في الدفاع عن الدين وأهله وخاصة في أيام الفتن والمحن، فإذا صال أهل الضلال بكفرهم وبدعهم، صدوهم بالآيات البينات والحجج الواضحات بألسنتهم وأقلامهم، وإذا قامت سوق الجهاد رأيت الكثير منهم ينغمسون في الصفوف مجاهدين ولا يكون مع الخوالف والقَعَدة.

لقد انقسم الناس بالنسبة إلى القضية السورية إلى ناطقين وساكتين، فالناطقون إما بحق وإما بباطل، والساكتون إما لخوف وإما لتخاذل.

فأما الناطقون بالحق: فهم الذين دافعوا عن الشعب المظلوم ضد النظام الظالم، لقد أفزعهم مافعله النظام المجرم من قتل وتعذيب وخطف واغتصاب، فصاحوا في وجه الظلم بأقلامهم وبألسنتهم، بخطبهم ومحاضراتهم وفتاويهم ومقالاتهم ولقاءاتهم، مبينين عقيدة النظام الفاسدة، داعين المسلمين للوقوف مع الشعب السوري بكل مايقدرون، داعين الشعب للصبر والثبات، قائلين لهم: إن النصر لآت، وإن تنصروا الله ينصركم.

وأما الناطقون بالباطل فقسمان:

قسم وقف مع الظالم ضد المظلوم، ومع المجرم ضد الضحية، وهؤلاء هم علماء السوء الذين زينوا للمجرم إجرامه ووصفوا الثوار بالعمالة والإرهاب والإجرام، واتهموهم بتنفيذ مخطط كوني للنيل من دولة المقاومة والممانعة.

هؤلاء عملاء وليسوا بعلماء، ضيعوا الأمانة واتبعوا أهواءهم الذي أرداهم، وصدق فيهم قول ابن حزم - رحمه الله - الذي قال في أمثالهم: «ولا يغرَّنك الفُسَّاق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المُزيِّنون لأهل الشرِّ شرهم، الناصرون لهم على فسقهم».

 إنهم نبيحة النظام الذين فاقوا الشبيحة في إجرامهم، لقد فاقت نونهم شِينهم وشَيْنهم؛ لأن الشبيحة لم يطلبوا بالدين الدنيا، ولم يثيروا الفتنة بالفتيا.

صدق من وصفهم بالنبيحة، ولقد ضرب الله مثلاً لعلماء السوء مشبهاً لهم بالكلاب قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ 175 وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 176 سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 175- 177].

والقسم الثاني ممن نطق بالباطل الذي قرأ الواقع خطأ، فأخطأ مرة أخرى عندما حكم عليه بالشرع، وقال: إنها فتن بجب اجتنابها، فالزم بيتك وابك على خطيئتك، وكن كالسلف في اجتناب الفتن، ثم إن هذه الطريقة في التغيير مبتدعة وقد اتفق علماؤنا على تحريم المظاهرات، فهؤلاء بهذا الكلام خذلوا إخوانهم ولم يقرؤوا الواقع قراءة صحيحة.

وأما الساكتون لخوف فالله حسيبهم، والعالم الجبان لامكان له بينهم لأنه عضو أشل.

وأما الساكتون لتخاذل فهؤلاء قيدتهم الأطماع، فشلت ألسنتهم، وما أصدق كلام الغزالي - رحمه الله - في أمثال هؤلاء عندما قال: «أما الآن فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا، وإن تكلموا لما تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا، ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا، ففساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب الجاه والمال، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر».

 أيها الساكتون لقد تكلم الساسة والفنانون واللاعبون والكفار والمؤمنون فمتى تتكلمون؟

لو كان الذي يذبح في سورية مجموعة من الكلاب لكان حقا عليكم أن تنكروا ولكن..

يا معشر القراء ياملحَ البلد       مايصلح الملح إذا الملح فسد

أيها الناس:

لما رأى الأحرار في سوريا هذا الإجرام من العصابات الأسدية حملوا السلاح مجاهدين في سبيل الله وفي سبيل نصرة المستضعفين مستجيبين لقول الله تعالى:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 75، 76].وقوله تعالى:{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - : قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : "مَنْ قُتلَ دُونَ مالهِ فهو شهيد ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شهيد ، ومن قتلَ دون دِينه فهو شهيد ، ومن قُتلَ دُونَ أهْلهِ فِهو شهيد". وقال أيضا: "قاتِلْ دونَ مَالِكَ ، حتى تكون من شُهداء الآخِرَةِ ، أو تَمْنَعَ مالَكَ".

لقد سطر هؤلاء الأبطال ملاحم البطولة وأذاقوا العدو كأسا علقما ومازالوا يزحفون وينتصرون انتصارا بعد انتصار والمجرمون في اندحار وانكسار وقريبا بإذن الله سيفرح المؤمنون بنصر الله ويعزهم بعد ذلة قال تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } [القصص: 4، 5].

إن الثورة السورية قد أعادت الأمة إلى حقيقتها فيجب علينا جميعا أن نعود إلى الله ونصدع بكلمة الحق في وجه كل ظالم وباغ؛ سواء أكان حاكماً أم محكوماً حتى يرتدع عن ظلمه وكشف حال أهل الباطل، وكشف مخططات الأعداء وتحذير الأمة من الارتماء في أحضانهم.

وينبغي على العلماء أن يحيوا في نفوس الأمة روح الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فى الأمة، وإيقاظها من غفلتها، لتعمل على تغيير واقعها والنهوض به واستشراف مستقبلها، وتنظيم العمل الجهادي وتوجيه المجاهدين فى كل مكان.

 ويجب على العلماء أن يتقدموا لسدِّ الثغرة، وأن يتولُّوا زمام المبادرة بأنفسهم، وأن يكونوا قريبين من الناس قبل الفتن وفي أثنائها، وألَّا ينتظروا أن تأتيهم الفرص وهم قاعدون.

ويجب علينا الحرص على الاجتماع والائتلاف والبعد عن التفرق والاختلاف، فإن جزءاً كبيراً مما أصاب الأمة ويصيبها من الفتن والنكبات؛ إنما هو بسبب ما جرى في الأمة من التنازع والفرقة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا التفريق الذي حصل من علماء الأمة ومشايخها، وأمرائها وكبرائها؛ هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها».

اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب انصرنا على أعدائنا واهزمهم يارب العالمين والحمد لله رب العالمين.

 

 


http://islamicsham.org