حكم قصر الصلاة والفطر في رمضان للمقيمين في مخيمات اللاجئين السوريين
الكاتب : المكتب العلمي ـ هيئة الشام الإسلامية
السبت 4 أغسطس 2012 م
عدد الزيارات : 62009

السؤال:
نحن - اللاجئين السوريين - نقيم في أحد مخيمات تركيا، منّا من له أشهر معدودة ومنا من لهم أسابيع أو أيام، ولا ندري متى نعود إلى ديارنا، وتنقضي معاناتنا، فهل نترخص برخص السفر كالقصر والجمع للصلوات، والإفطار في نهار رمضان؟ علماً أن الأمر المستقر في المخيم والمعمول به هو الأذان لكل وقت، والصلاة لوقتها وبتمامها، والصيام في رمضان.
وقد حصل كثير من الخصومات وارتفاع الأصوات في المساجد بسبب الخلاف في ذلك، وتشوش الناس من ذلك، ومنهم كثيرون لم يعرفوا الصلاة والصيام قبل ذلك في حياتهم، ويجاهرون بالإفطار والتدخين في نهار رمضان بحجة أن هناك من يفتيهم أنهم مسافرون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نسأله تعالى أن يُفرّج عن إخواننا اللاجئين، وأن يصبرهم، وأن يقمع عدوهم، وأن يعيدهم إلى ديارهم منصورين غانمين.
أولاً: شرع الله سبحانه وتعالى للمسافر قصر الصلاة وجمعها، وفطر رمضان؛ تخفيفًا عنه ورحمة به، قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ} [النساء: 101]، ومعنى (ضربتم) أي سافرتم.
وقال سبحانه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، والمعنى: من كان مريضاً أو مسافراً فله الفطر في رمضان، وعليه صيام الأيام التي أفطرها بعده.
ثانيًا: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ المسافر إذا نوى الإقامة في بلدٍ ما فقد انقطعت نيته عن السفر، وأصبح مقيمًا، يلزمه إتمام الصلاة والصيام، ثم اختلفوا في تحديد مدة الإقامة:
فمنهم من يرى أن المسافر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فإنه ينقطع حكم السفر في حقه ويلزمه الإتمام، ومنهم من يرى أن المسافر إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يوماً أتم صلاته، ومنهم من يرى أنها تسعة عشر يوماً، ومنهم من يرى أن المسافر إذا لم ينو الاستيطان أو الإقامة المطلقة (وهي غير المقيدة بزمن أو عمل) فإن أحكام السفر لا تزال باقية عليه، سواء نوى إقامة أربعة أيام أو أقل أو أكثر.
والخلاف في هذه المسألة قديم، ولكل فريق من العلماء دليله، ليس هذا مقام بسطها.
ثالثًا: من مقاصد الشريعة الإسلامية جمع الكلمة وتقليل الخلاف، ومن ثم كان مذهب الفقهاء _رحمهم الله تعالى_ جمع كلمة المسلمين وتوحيدها ما لم يكن في ذلك إثم، ولو كان لبعضهم رأيٌ فقهي يُخالف الآخرين.
فعندما أتمَّ عثمان بن عفان _رضي الله عنه_ الصلاة الرباعية في موسم الحج بمنى متأولاً، عارضه ابن مسعود-رضي الله عنه- وقال له: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين!" فلما أصر عثمان على رأيه: صلى معه ابن مسعود، فقيل له: كيف تصلي أربعاً وقد صليتَ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر ركعتين؟ فقال: "الخلاف شر"، والحديث عند أبي داود.
فهذا ابن مسعود -رضي الله عنه- لم يشأ أن يخالف الجماعة وينفرد عنهم بشيء، ويتخلف عن الصلاة معهم؛ بعداً عن الخلاف.
فكذلك من كان يرى رأيًا مخالفًا لما عليه عامة الناس مما يسوغ فيه الخلاف: لا ينبغي له أن يُصِرَّ على الجهر به، أو إظهار المخالفة فيه بالدعوة إليه؛ لما فيه من التفرقة للصف، وإيقاع العداوة بين الناس، وإشغالهم عما هو أهم، فضلاً عن أن يشغب عليهم بذلك في مساجدهم برفع الصوت وإثارة الجدل؛ فإنَّ المساجد إنما أقيمت لذكر الله تعالى، قال الإمام النووي -رحمه الله- في "المجموع": "تكره الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه".
رابعًا: بما أن الأمر المستقر في المخيمات هو: إقامة الصلاة لوقتها وبتمامها، ويؤذن لها، فيجب على أهل المخيمات أن يصلوا بصلاة أئمتهم، ولا يتخلفوا عن الجماعة، فعن أبي هريرة _رضي الله عنه_  قال: (أتى النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_ رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن يرخّص له فيصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولَّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال: نعم. قال: فأجب" رواه مسلم، وفي رواية عند الإمام أبي داود: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أجد لك رخصة).
فمن فاتته صلاة الجماعة مع الناس فإن كان يرى أنه ممن يحق له الترخص بأحكام السفر فله أن يصليها قصراً.
خامسًا: أما الصيام فإن الأفضل في حق المسافر والأبرأ لذمّته أن يصوم مع الناس في رمضان إن كان لا يشق عليه، وقد يجب في حق من لم يعتد الصوم قبل ذلك؛ خشية ألا يقضيه أبداً.
وإن ترخَّص فأفطر فلا ينبغي له الجهر بالفطر أمام الصائمين وفي أماكنهم العامة وطرقاتهم؛ احتراماً لصيامهم ومشاعرهم، وتجنباً للفرقة والاختلاف بين جماعة المسلمين.
أما إن كان فطره لأجل الدخان والشيشة (النارجيلة) فلا يجوز؛ لأن تناولها في الأصل محرم لكونها من الخبائث، وما فيها من الضرر على صحة المدخن ومن معه، وقد قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه مالك وأحمد وابن ماجه.
نسأل الله تعالى أن يهدينا رشدنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.     
وصلى الله، وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


http://islamicsham.org