وهم الإصلاح الدستوري...وضع العربة أمام الحصان
الكاتب : مركز شارك شباب
الاثنين 10 سبتمبر 2018 م
عدد الزيارات : 2470

 

وهم الإصلاح الدستوري...وضع العربة أمام الحصان


تحولت الوساطة الأممية عن المسار الذي نص عليه "بيان جنيف 1" الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، تتولى إصدار إعلان دستوري يدشن لمرحلة انتقالية يتم من خلالها صياغة دستور جديد، بحيث أصبحت تدعو إلى عملية "إصلاح دستوري"، دون الحاجة إلى إنشاء هيئة حكم انتقالي.
وتكمن خطورة هذا التحول في أن جميع سيناريوهات تطبيق المقاربة الأممية الجديدة تصبّ لزامًا في تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تحت كنف النظام، وتمكنه من الإشراف على عملية صياغة الدستور، وعلى تنظيم الانتخابات البلدية والنيابية، ومن ثم الرئاسية في غضون أربع سنوات، مما يعني الالتفاف على مطالب الثورة وعدم تنفيذ شيء منها، وحصر المشكلة بتغيير بعض بنود الدستور.
وكان مكتب المبعوث الأممي الخاص في سوريا قد وضع خمس مقاربات لجسر الهوة بين دستور النظام لعام 2012، وبين مقتضيات الانتقال السياسي، وذلك خلال المحادثات الفنية التي عُقدت بجنيف في شهر يونيو 2017، وهي:
1- الإبقاء على دستور 2012 حتى صياغة دستور بديل، ولا شك في أن هذا الإجراء غير شرعي وغير قانوني، إذ إن عملية صياغة واعتماد الدستور لم تتم بطريقة صحية عام 2012، وقد استغل بشار الأسد هذه العملية لتعزيز الصلاحيات الواسعة والمبهمة الممنوحة لرئيس الجمهورية دون ضوابط على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومن ذلك إعطاؤه حق حلّ مجلس الشعب، وإعلان حالة الطوارئ، وإصدار التشريعات أثناء حلّ المجلس، وحق ترؤس المجلس الأعلى للقضاء، والذي يمارس السيطرة على السلطة القضائية، وعلى تعيين جميع أعضاء المحكمة الدستورية العليا.
2-تعديل دستور 2012، فيما يضمن تقليص صلاحيات الرئاسة، ونقل بعضها إلى رئيس الوزراء، والحد من سلطة رئيس الجمهورية على رئيس الوزراء، وضمان الحريات والحقوق الأساسية، وتكمن خطورة هذا الخيار في إلزام المعارضة بإقرار شرعية دستور عام 2012، بالإضافة إلى تعارضه مع بيان "جنيف 1" وقرار مجلس الأمن 2254/2015 اللذين يشترطان إجراء التعديلات اللازمة من خلال إعلان دستوري مؤقت ضمن عملية انتقال سياسي تنص على إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية.
3-صياغة دستور جديد؛ وينطوي هذا الخيار على خطر كبير إذ إنه سيتيح للنظام فرصة إطالة أمد المفاوضات المتعلقة بصياغة الدستور الجديد، ويمنحه الصلاحيات الكافية لعرقلة سبل التوافق عليه، وذلك بهدف الإبقاء على دستور 2012 نافذًا لفترة قد تمتد إلى سنوات، كما أنه سيضمن لرئيس النظام استمرار تمتعه بصلاحيات واسعة، وسيمكنه من عرقلة عملية الإصلاح الدستوري متى شاء.
4-الإبقاء على دستور 2012 مع إصدار إعلان دستوري؛ وهو إطار دستوريٌ مؤقت، يضع استدراكات على دستور النظام، بحيث يتم إلغاء النصوص المُشكلة، بما فيها تلك غير المتطابقة مع بيان "جنيف 1" وقرار مجلس الأمن 2254/2015، وذلك بالتزامن مع استمرار العمل بدستور 2012، الأمر الذي من شأنه إضفاء الشرعية على هذا الدستور غير الشرعي، خاصة وأنه سيبقى ساريًا في المسائل التي لا يتناولها الإعلان الدستوري. وسيستمر العمل به حتى تُصدر الجهة المكلفة بالصياغة دستورًا دائمًا للبلاد.
5-تعليق دستور 2012 واستبداله بإعلان دستوري جديد، وهي الصيغة الأكثر فاعلية للحدّ من تدخل النظام في عملية الإصلاح الدستوري، ومنعه من إفساد صياغة دستور جديد، ولكي يتحقق ذلك فإنه لا بد من إجراء العملية تحت إشراف هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، لكن ذلك سيتطلب موافقة أطراف النزاع، وهو أمر غير متوقع من قبل النظام في ظل الظروف الحالية.
ويُلاحظ من السيناريوهات الأربعة الأولى أن عملية الإصلاح الدستوري لا بد وأن تتم تحت مظلة النظام وإشرافه، بحيث يُفرض على المعارضة شرعنة دستور عام 2012 والاحتكام إليه، الأمر الذي سيثبت حكم الأسد ويمنحه صلاحيات مطلقة، ويمكنه في الوقت نفسه من تعطيل العملية برمتها.
ولا بد من التأكيد على أن قصر الوساطة الأممية العملية الانتقالية في سوريا على صياغة دستور بديل، لا يمكن أن تكون كفيلة بإنهاء معاناة السوريين أو تحقيق العملية الانتقالية التي ينشدها السوريون، بل ستبقى حبرًا على ورق ما دامت مؤسسات النظام ورجالاته كما هي دون تغيير.
ولذلك أصدر (المجلس الإسلامي السوري) بيانًا وضّح فيه موقفه من (إعادة كتابة الدستور السوري) و(اللجنة الدستورية)، وقال في بيانه: "لا يمكن الحديث عن إعادة كتابة الدستور أو التصويت عليه تحت ظلال الاحتلال، ويرى المجلس أن سوريا عمليًا تقع تحت الاحتلالين الروسي والإيراني، ولا أدل على ذلك مما يراه الجميع واضحاً بأن قرار السلم والحرب والتفاوض كلها يقررها الروسي في سوريا ظاهرًا وباطنًا، فهو الذي يقرر وهو الذي ينفذ، ولا يمكن التعبير عن رضى الأمة تحت حراب الاحتلال".
كما أضاف البيان أن "تصوير المشكلة لما جرى في سوريا على أنها مجرد مطالب ببعض الإصلاحات ومنها إعادة كتابة الدستور، هو تزييف للحقائق وقلب للوقائع، فما جرى في سوريا ثورة على طغمة حاكمة فاسدة ظالمة، لا تعرف دستورًا ولا قانونًا، فلا ينفع معها لو بقيت أحكم دساتير العالم وأرقاها".
وأكد المجلس أن "الحديث عن كتابة الدستور هو التفاف على ما يسمونه الحل الدولي وفق مقررات (مؤتمر جنيف) الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة، يكون من مهامها إعادة كتابة الدستور وإجراء انتخابات نزيهة حرة وشفافة".
وختم البيان بالقول: "والمجلس بعد هذا يرى أن روسيا ليست ضامنًا، بل هي شريكة للنظام في القتل والظلم والتدمير والغدر، ولا أدلّ على ذلك مما سمي بمهزلة (مناطق خفض التصعيد) التي رأى العالم بأسره نكث عهدها وعدم الالتزام بمقرراتها.
وبناء على ذلك فإن اقتصار الوساطة الأممية على مسألة "الإصلاح الدستوري" دون غيرها من الإجراءات التي تلزم القوى الفاعلة على الالتزام به؛ هو بمنزلة وضع العربة (الدستور) أمام الحصان (آليات التنفيذ)، مما يعطل مسار الانتقال السياسي في ظل ضعف مؤسسات الحكم المدني، وتغول الأجهزة الأمنية العسكرية وتورطهما بارتكاب جرائم ممنهجة ضد المدنيين.
ويجدر في هذا الإطار التنبيه إلى ثلاث نقاط أساسية في هذه المرحلة، وهي:
أولاً: ضرورة التمييز بين "التسوية السياسية" و"الإصلاح الدستوري"، حيث درجت العادة أن تركّز مفاوضات إحلال السلام في الصراعات الداخلية على الإنهاء الفوري للنزاع، لكن الوساطة الأممية في الحالة السورية قد بادرت إلى طرح مسألة "الإصلاح" الدستوري دون إلزام النظام بالامتثال للقرارات الأممية واجبة التنفيذ الفوري وغير المشروط، ودون الحاجة لتقديم أية مبادرات لإثبات حسن النية.
وتصب هذه المقاربة بصورة مباشرة في الجهود الروسية المبذولة لشرعنة النظام وإجراءاته على الأرض خلال سنوات الثورة، والعمل تحت مظلته، حيث يدفع دي مستورا باتجاه مناقشة الدستور والانتخابات قبل تناول القضايا الأساسية التي تندرج في "اتفاقيات السلام"، وعلى رأسها ترتيبات الحكم في الفترة المؤقتة، والهيكليات التنفيذية والتشريعية الجديدة، وحماية حقوق الإنسان، مبادئ الإصلاح القضائي، وإصلاح مؤسسات القطاع الأمني.
ونظراً لرغبته في التماهي مع المزاج الدولي المتقلب فقد تجاهل دي مستورا التجارب الأممية الفاشلة لفضّ النزاعات من خلال محاولة التوصل إلى صيغة حكم بديل، دون الأخذ في الاعتبار أن استمرار الصراع المسلح أثناء عملية صياغة الدستور سيؤدي حتمًا إلى عرقلة الترتيبات الدائمة ومحاولات التوافق عليها.
يدعونا ذلك للتأكيد على أن الإدارة الاحترافية لفنون "فض النزاع" تقضي بتأجيل ترتيبات الإصلاح طويل الأمد في الدولة بهدف تحقيق الاعتبارات الآنية الأكثر إلحاحًا، كوقف القتال وتوفير المراقبة وضمان الامتثال وتأمين المساعدات للمتضررين، وتأمين المدنيين. أما في الحالة السورية فإن مفاوضات جنيف قد سارت خلال الأشهر العشرة الماضية في إطار ترتيبات جدلية طويلة الأمد غير عابئة بالحاجة الملحة لوقف المجازر وتخفيف معاناة السوريين، تاركة الملف برمته لمفاوضات "أستانة"، الأمر الذي أفقد الوساطة الأممية الجزء الأكبر من الدور المنوط بها في إنفاذ القرارات الأممية ورهن العملية برمتها ضمن إطار التوافقات الروسية-الإيرانية-التركية بدلاً من المرجعية الأممية.
ولا بد من التأكيد في هذا الإطار على أن ضرورة التزام الثورة والمعارضة بالتنفيذ الأمين لمقتضيات بيان "جنيف 1" والقرارات الأممية ذات الصلة التي تنص على إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات للإشراف على العملية الانتقالية، وأن تبادر إلى اتخاذ إجراءات أحادية الجانب لتثبيت شرعية النص الوطني في الداخل السوري.


نقلا عن مركز (شارك) بتصرف


http://islamicsham.org