ماذا أفعل عند الخلاف مع مديري؟
الكاتب : أحمد أرسلان
الاثنين 30 يوليو 2018 م
عدد الزيارات : 21462

 

ماذا أفعل عند الخلاف مع مديري؟

 

كيف أخبر مديري أن قراره خاطئ؟

وهل يحق لي رفع خلافي معه إلى الإدارة العليا؟ وماذا لو أن الإدارة لم تأخذ بشكواي؟

 

أسئلة تطرح كثيراً في الوسط الإداري، قد يختلف الناس حول إجابتها، وسنسعى في هذا المقالة إلى وضع خلاصة تجيب عنها، لكن قبل ذلك، دعونا نتأمل معاً هذا الموقف الذي حدث بين اثنين من الصحابة رضوان الله عليهم ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو موقف من مواقف كثيرة في زمن النبوة أو الخلافة الراشدة تصلح للتأمل والتدارس لاستخراج ما فيها من إضاءات مهمة.

يقول عوف بن مالك الأشجعي: "خرجتُ معَ زيدِ بنِ حارثةَ في غزوةِ مؤتةَ فرافَقني مددٌ من أَهلِ اليمَنِ ليسَ معَهُ غيرُ سيفِهِ فنحرَ رجلٌ منَ المسلمينَ جزورًا فسألَهُ المدديُّ طائفةً من جلدِهِ فأعطاهُ إيَّاهُ فاتَّخذَهُ كَهيئةِ الدَّرَقِ [1]ومضَينا فلقينا جموعَ الرُّومِ وفيهِم رجلٌ على فرسٍ لَهُ أشقرَ عليْهِ سرجٌ مُذْهَبٌ وسلاحٌ مُذْهبٌ فجعلَ الرُّوميُّ يُغري بالمسلمينَ فقعدَ لَهُ المددِيُّ خلفَ صخرةٍ فمرَّ بِهِ الرُّوميُّ فعرقبَ فرسَهُ فخرَّ وعلاهُ فقتلَهُ وحازَ فرسَهُ وسلاحَهُ فلمَّا فتحَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ للمسلمينَ بعثَ إليْهِ خالدُ بنُ الوليدِ فأخذَ منَ السَّلَبَ[2]قالَ عوفٌ فأتيتُهُ فقلتُ يا خالدُ أما علمتَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ قضى بالسَّلَبِ للقاتلِ قالَ بلى ولَكنِّي استَكثرتُه قلتُ لتردَّنَّهُ عليْهِ أو لأعرِّفنَّكَها عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فأبى أن يردَّ عليْهِ قالَ عوفٌ فاجتمعنا عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقصصتُ عليْهِ قصَّةَ المدديِّ وما فعلَ خالدٌ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يا خالدُ ما حملَكَ على ما صنعتَ قالَ يا رسولَ اللَّهِ لقدِ استَكثرتُه فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يا خالدُ رُدَّ عليْهِ ما أخذتَ منْه قالَ عوفٌ فقلتُ لَهُ دونَكَ يا خالدُ ألم أقُل لَكَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وما ذلِكَ فأخبرتُهُ قالَ فغضِبَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ يا خالدُ لا تردَّ عليْهِ هل أنتم تارِكونَ لي أمرائي لَكم صفوَةُ أمرِهم وعليْهم كدَرُهُ"[3].

تدور هذه القصة بين القائد العام للدولة والجيوش (محمد صلى الله عليه وسلم) وقائد جيش غزوة مؤتة (خالد بن الوليد) [4] وعنصر من الجيش (عوف) رضوان الله عليهم جميعاً، وسنجزئ القصة ثلاثة أجزاء:

 

أولاً: حوار عوف وخالد:

لم يرَ عوف بن مالك بأساً من أن يكون صريحاً مع قائده في اعتراضه على قرار خالد بن الوليد رضي الله عنهما عندما رأى اجتهادا خاطئاً منه، حيث أخذ خالد السلب من المددي، ولم يجعلها عوف بن مالك حديثاً خفياً بينه وبين عدد من عناصر الجيش، بل وجه خطابه مباشرة إلى خالد واستفسر ابتداء عن سبب قرار خالد، ثم خالفه فيه وناقشه، وقال له "لتردَّنَّهُ عليْهِ أو لأعرِّفنَّكَها عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ" فأبى أن يردها خالد، ولم يعترض خالد على انتقاد عوف ولم يره مخالفة أو خروجاً عليه رضي الله عنهما.

 ومما نستخلصه من هذا الجزء:

ثانياً: شكوى عوف لخالد – رضي الله عنهما - عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"فاجتمعنا عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقصصتُ عليْهِ قصَّةَ المدديِّ وما فعلَ خالدٌ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يا خالدُ ما حملَكَ على ما صنعتَ قالَ يا رسولَ اللَّهِ لقدِ استَكثرتُه فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يا خالدُ رُدَّ عليْهِ ما أخذتَ منْه".

اجتمع عوف وخالد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر عوف لرسول الله ما صدر عن خالد – أمام خالد – فاستفسر رسول الله عن سبب قرار خالد، ثم وقف مع رأي عوف وأمر خالد بأن يرد السلب لصاحبه.

نستخلص من هذا الجزء:

 

ثالثاً: تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع تصرف عوف مع خالد بعد الحكم

"قالَ عوفٌ فقلتُ لَهُ دونَكَ يا خالدُ ألم أقُل لَكَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وما ذلِكَ فأخبرتُهُ قالَ فغضِبَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ يا خالدُ لا تردَّ عليْهِ هل أنتم تارِكونَ لي أمرائي لَكم صفوَةُ أمرِهم وعليْهم كدَرُهُ."

بعد أن حكم رسول الله ببطلان قرار خالد، سحب عوف – كما في بعض الروايات – ثوب خالد وقال له: "ألم أقل لك؟" فانتبه رسول الله وسألهم ماذا هناك؟ فأخبره عوف بفعله، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل عوف رضي الله عنه، حيث قد يفهم من فعله أنه انتصار لنفسه وتقليل من شأن خالد رضي الله عنه أمام الحاضرين.

 فها هنا مفسدتان، الأولى أن خالدا اتخذ قرارا خاطئا عندما أخذ السلب من الرجل، وترك الأمر على هذه الحال مفسدة، والمفسدة الثانية أن يمضي تصرف عوف بن مالك وما فيه مما قد يشعر الحاضرين بإضعاف هيبة خالد، فتختل طاعة الجند ومكانة خالد ودوره في قيادة جيش المسلمين، ولا شك بأنها مفسدة أكبر بكثير من الأولى، لذلك غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلوب عوف بن مالك، بل وأمر خالد أن يبقى على اجتهاده الأول وألا يرد السلب، وختم صلى الله عليه وسلم بقاعدة مهمة: " لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره".

ونستخلص من الجزء الثالث من القصة:

 

 

---------------------------------------------------------


[1]فاتخذه كهيئة الدرع الذي يكون بدون خشب.

[2]السلب: ثياب القتيل - من الكفار – وسلاحه، ومركوبه وما عليه ومعه من مال والسلب يستحقه القاتل ولا يوزع كالغنائم.

[3]صحيح مسلم- الجهاد والسير/ (1753)، سنن أبي داود- الجهاد (2719)، والحديث صححه الألباني.

[4]تولى خالد بن الوليد قيادة جيش غزوة مؤتة بعد أن استشهد القادة الذين حددهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة، وهم على الترتيب: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة.

[5]أخرجه أحمد (6/444 رقم 27548)، وأبو داود (4/280 رقم 4919)، والترمذي (4/663 رقم 2509)، وابن حبان (11/489 رقم 5092)، وصححه الألباني.

[6]انظر مقال: (أخي .. ما حملك على ما صنعت؟) للدكتور معن عبد القادر كوسا https://islamicsham.org/article/814

 


http://islamicsham.org