السؤال:
ما حكم إعطاء الأمان لشبيحة النظام وجنوده؟ علما أنهم متورطون في عمليات قنص وقتل؟ وإذا انفرد أحد القادة بإعطائهم الأمان فهل الأمان صحيح ولازم للجميع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
أولاً: المقصود بالأمان: تأمين المقاتل الحربي على نفسه وماله وعرضه .
فإذا أعطي الحربي الأمانَ فقد حُقن بذلك دمُه، وحَرُم على سائر المسلمين أن تمتد إليه أيديهم بأي أذى، فلا يجوز قتله، ولا أخذ ماله، ولا أسره، ولا التعرض له بسوء .
ويثبت الأمان بكل لفظ يدل عليه، كقول: أنت آمن ، أو: أعطيتك الأمان، أو: أجرتك أو أنت في جواري ، أو: لا بأس عليك، أَو: لا خوف عليك، ونحوها.
والإشارة التي يُفهم منها الأمان تقوم مقام اللفظ في هذا الأمر، قال ابن عبد البر في الاستذكار: " وَلَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ مَنْ أَمَّنَ حَرْبِيًّا بِأَيِّ كَلَامٍ فُهم بِهِ الْأَمَانُ ، فَقَدْ تَمَّ لَهُ الْأَمَانُ ، وَأَكْثَرُهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِشَارَةَ بالْأَمَانَ إِذَا كَانَتْ مَفْهُومَةً ، بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ".
ثانياً: إذا أعطى أحدُ المسلمين الأمان لأحد المحاربين أو مجموعةٍ منهم فأمانه لازمٌ لجميع المسلمين، لا يجوز لهم نقضه ولا خرقه، قال صلى الله عليه وسلم: ( ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ) رواه البخاري ومسلم ، والمراد بالذمة هنا : الأمان .
والمقصود: أن أمان أحدِ المسلمين كأمان جميعهم، فإذا أمَّن أحدُهم حربياً حَرُم على غيره التعرض له.
قال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري: "كل من أمَّن أحدًا من الحربيين جاز أمانه على جميع المسلمين، دَنيَّاً كان أو شريفًا، حراً كان أو عبدًا، رجلا أو امرأة، وليس لهم أن يخفروه".
ثالثاً : أجمع المسلمون على وجوب الوفاء بعقد الأمان، وتحريم الخيانة فيه والغدر بالمؤمَّن بأي طريقة؛ لقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34].
وقال صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) متفق عليه.
وربما زين الشيطان للبعض الغدر, ومنَّاهم أن هذا يوجب العلوَّ والظهور على العدوّ, وهذا والله فيه حتفهم؛ فالغدرُ سبب لوقوع الفتنة بين المسلمين أنفسهم, وظهور عدوهم ، قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ قَطُّ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.
رابعاً : اشترط العلماء لصحة الأمان ولزومه : ألا يترتب عليه ضرر يعود على المسلمين.
قال أبو المعالي الجويني في نهاية المطلب: "يشترط ألا يكون في الأمان المعقود ضررٌ عائدٌ إلى المسلمين، فلو أمَّن طليعةَ الكفار، أو جاسوساً، كان الأمان باطلاً".
وعليه: فإن الوضع في سوريا يقتضي من قادة الكتائب وكافة العناصر ألا يعطوا الأمان لعناصر الأمن والشبيحة والقناصة إلا في حالات خاصة واستثنائية، يتحقق من خلالها انكفاف شرِّ هؤلاء المجرمين عن الناس؛ لأن مقتضى الأمان تركهم ليذهبوا في حال سبيلهم، وفي هذا فساد وضرر عظيم على الناس، لمعاودتهم الإفساد في الأرض بقتل المتظاهرين وقنصهم .
والأولى عند الحاجة لإعطاء الأمان: أن يكون أماناً مشروطاً، كأن يقال لهم: نعطيكم الأمان بشرط تسليم أنفسكم، أو بشرط محاكمتكم محاكمة عادلة، أو انشقاقكم عن الجيش والتحاقكم بركب الثورة، ونحو ذلك .
وفي حال إعطاء الأمان لهم مع وجود ضرر من وراء هذا الأمان: فإن الأمان يكون باطلا غير لازم .
ولكن لا يجوز استئناف قتال من أعطي له هذا الأمان الباطل إلا بعد إعلامهم بذلك؛ لوجود شبهة الأمان، ونفياً للغدر والخيانة، كما قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء) [الأنفال: 58] أي: أعلمهم بنقض أمانهم حتى تصير أنت وهم سواء في العلم بالنقض، وقال ابن تيمية في "الصارم المسلول": "ومعلوم أن شبهة الأمان كحقيقته في حقن الدم ".
خامساً: الواجب على القادة الميدانيين وقادة الكتائب ألا ينفردوا باتخاذ القرارات المهمة دون مشاورة إخوانهم، خاصةً أهل الرأي والخبرة .
وإذا كان الله أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي بمشاورة أصحابه فقال: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) [آل عمران: 159]، فغيره من باب أولى؛ فإن ملاقحة العقول، وأخذ آراء الرجال، لها تأثير محمودٌ في الوصول إلى الرأي الصحيح والاختيار المناسب بإذن الله عز جل، ولذا كان مما أثنى الله به على المسلمين أن قال: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم) [الشورى: 38].
والحمد لله رب العالمين