تربية الأطفال على أداء الصلاة
الكاتب : أسماء المحيميد
الثلاثاء 17 أبريل 2018 م
عدد الزيارات : 23249

 

 تربية الأطفال على أداء الصلاة


الاستشارة:
ابني عمره 9 سنوات، مداوم على الصلاة منذ أن كان عمره 6 سنوات ونصف، كان يصلي ويقطع، ومنذ عام تقريبًا وهو يداوم على الصلاة يوميًا، حتى إنه يقضي الفائتة، لكني لاحظت مؤخرًا هروبه من الصلاة أمامنا، وأحيانًا يتضجر من أمرنا له ليقوم بالوضوء أو الصلاة، فهو في كثير من الأحيان لا يصدقني القول بشأن وضوئه، فكثير من المرات أطلب منه أن يعيد صلاته لأنه غير متوضئ، فيقسم لي إنه متوضئ، لكن منذ فترة قصيرة صارحني وعيناه غارقتان بالدموع أنه قد كذب عليّ كثيرًا بشأن وضوئه وصلاته.
وذات مرة رأى في المنام سكينًا تدخل حلقه، فارتمى على الأرض مفارقًا الحياة، فاستيقظ من نومه فزعًا، وشعر أن المنام تنبيه له، لأجل وضعه مع الصلاة.

وأيضًا مما صارحني به أنه ما إن يقف للصلاة حتى يعاجله الشيطان موسوساً له بـ"التفت في صلاتك فلا أحد هنا يراكوهذا ما يجعله يخشى الصلاة، فنصحته، وطلبت منه أن يتوب إلى الله ويداوم على صلاته، لكني أخشى أن يعود إلى حاله السابقة أو أن يعتاد الكذب. 

الرد:
أختي الكريمة، إن الأطفال في مثل هذه السن لا يميزون ما بين حق الله تعالى وحق عباده؛ ولذلك كونه يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا أخرى هذا شيء طبيعي؛ لأنه لم يستشعر الإيمان بعد، ولم يستقر في قلبه معرفة عظمة الله تعالى؛ ولذلك هو يتجاوب فقط مع الظاهر من أعماله، فهو يستجيب لك بناء على حبه لك، وحرصه على إرضائك، وأيضًا على الأسلوب الذي تتعاملين به معه، وهذا أمر عادي في هذه المرحلة، ولكن عندما يستمر على هذا الوضع فإنه سيأتي عليه يوم يعرف أن الصلاة هي حق الله تعالى، وذلك من خلال التوجيه الذي ستقومين أنت به، وقد يقوم به الوالد، وقد تقوم به المؤسسات التعليمية، كالمدارس ومراكز التحفيظ، وغير ذلك. إذن فكرة أنه لا يصلي أحيانًا أو يصلي بدون وضوء، هذا أمر عادي خلال هذه الفترة.
في مثل هذا العمر الطفل ليس لديه قيم ثابتة، ويهتم كثيرًا باللعب، أو التعرف إلى المحيط الاجتماعي، عليك أن تذكريه بأهمية الصلاة، وأن الله خلقنا للعبادة وليس للأكل واللعب والشرب.
لا تكثري عليه بعبارات التهديد والوعيد والتخويف، بل اعملي على ما لديه من الإيجابيات، وشجعيه عليها، واذكري ذلك لوالده أو أعمامه وأخواله وهو يسمع، ليعرف مدى رضاك عنه وحبك له..
اجعلي مشوار المسجد هدفًا يسعى إليه، من خلال ذكر الفوائد الدنيوية والأخروية لذلك ..
ذكّريه ببعض الأمثلة من الصالحين، كعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وسعيد بن المسيّب وسفيان بن عيينة وغيرهم من الذين كانت الصلاة هاجسًا لهم وهم صغار.
اهتمي بتوفير القرناء الصالحين في العائلة، لأن الإنسان مع قرينه.
أنت بحاجة ماسة إلى الطريقة التربوية المناسبة للتعامل مع طفلك صاحب التسعة أعوام؛ لأن ما يعمله ابنك تجاهك من خلال عدم الصدق أو إهمال الصلاة واللعب فيها إنما هو محاولة جذب الاهتمام والسعي لامتلاك السلطة والسيطرة.

واهتمامك بتلك السلوكيات الخاطئة من خلال التهديد قد حققت أمرًا خاطئًا، وهو تشجيعه على تكرار هذا السلوك، في حين سيختفي هذا السلوك مع وسائل الترغيب الكثير التي يحتاجها الطفل ويستجيب بشكل إيجابي معك. لذلك سأورد لك بعض الطرق التي أسأل الله أن تكون عوناً لتعاملك مع ابنك:

أولاً: الحرص على الدعاء لابنك بالهداية والصلاح، وتحري ذلك في موطن الإجابة، كالسجود وصلاة الليل وأوقات الإجابة، والبعد تمامًا عن الدعاء عليهم حال الغضب، فقد تجد الدعوة بابًا مفتوحًا وتكون سببًا في شقائهم.

ثانيًا: الانتباه إلى كل سلوك إيجابي يحدث من ابنك وتشجيعه لفظيًّا وماديًّا: "أحسنت، بارك الله فيك، أنت ممتاز، تستاهل هدية..إلخ"، فذلك من شأنه أن يجعل أبناءنا يحرصون على تكرار تلك السلوكيات طالما يجدون الاهتمام والرعاية.

ثالثًا: الحرص على تكليفه بمهام تتناسب مع عمره، كتكليفه بشراء حاجات للمنزل، لبناء ثقته بنفسه وإشعاره بالمسؤولية، وهو بحاجة لتلك المهام، خاصة وهو مقبل على مرحلة مهمة في حياته (مرحلة المراهقة) وتغيراتها المختلفة.

رابعًا: وضع استمارة النجوم، وهو أسلوب ناجح مع كثير من الأطفال، وهي عبارة عن استمارة فيها أيام الأسبوع، وكل يوم أمامه خمس خانات مربعة توضع فيها نجوم، وتكون النجمة مقابل أن يتوضأ ويصلي الصلاة في وقتها، سواء كان مع والده في المسجد أم في المنزل.

خامسًا: تجاهل أي سلوك سلبي يحدثه ابنك بهدف إثارتك، فذلك مدعى لأن ينطفئ هذا السلوك، وفي المقابل احرصي على تشجيع السلوك الإيجابي ولو كان بسيطًا في نظرك، فتكراره سيزيد من حجمه شيئًا فشيئًا.

سادسًا: التحلي بالصبر وعدم الاستعجال في ظهور النتائج، فقد تحتاجين إلى عدة أسابيع لتعديل سلوكه.

وأبشرك بأنه مع استمرار هذا الأسلوب، حتى وإن ترك فرضًا أو فرضين في اليوم بنوع من التغافل منك، فإنه سوف يخرج، إن شاء الله، وقد أصبحت الصلاة جزءًا من مكوناته الشخصية؛ لأنه كما قال الشاعر:

وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا ... على ما كانَ عوَّدهُ أبوهُ

وأيضًا هناك وسيلة أخرى، وهي أن يأخذه الوالد معه إلى المسجد، كونه يأخذه معه إلى المسجد ويصلي بجواره فيه نوع من التشجيع، خاصة وأنه في المسجد قد يتعرف إلى بعض من هم أمثاله وفي مثل سنه، وقد يتعرف إلى رجال يسلمون عليه ويفرحون به، فهذا سيكون دافعًا قويًّا.

وأوصيك بالدعاء، والإلحاح على الله أن يحبب إليه الصلاة، وأن يجعله من صالح المؤمنين؛ لأن الدعاء من أعظم وسائل التغيير، وسيكون معينًا لك إلى درجة كبيرة في تحقيق ما تتمنينه من صلاح أولادك واستقامتهم.


http://islamicsham.org