الكذب عند الأطفال وكيفية علاجه
الكاتب : د. ياسر بن مصطفى الشلبي
الاثنين 8 يناير 2018 م
عدد الزيارات : 5133

 

الكذب عند الأطفال وكيفية علاجه


يعد الكذب من أشد الأمراض الاجتماعية خطرًا، لأنه يقضي على الثقة بين أفراد المجتمع، ويحلّ الشك والارتياب مكانَ الطمأنينة والأمان فيما يعرضه الغير، مما يسهم في تقويض المجتمعات وتفككها، وكثيرًا ما يجد الآباء أنّ الذي يقوم بهذا الدور هو طفل لم يجاوز الرابعة من العمر، تجده يقوم بتحوير الوقائع والتحايل على الحقائق وقلب للمحسوس الملموس إلى صورة أخرى ليس لها في حقيقة الأمر وجود..
  فإذا عرف الآباء الكذب استشاطوا غضبًا وأعيتهم الحيلة كيف يتدبرون هذا الوضع، هل يناقشون الطفل في هذا الأمر؟ أم يتجاهلون الموضوع تجاهلا تامًّا؟ أم يعاقبون الطفل على فعلته؟
     أما الطريقة الصحيحة فهي أن يظلّ الأب أو الأم محافظين على هدوئهما، وأن يتريثا إلى أن تزول عنهما حدّة الغضب، وعندها يتساءلان قبل أن يفعلا شيئًا: لماذا كذب الطفل؟ ومن ثمَّ يأخذان في استقصاء الأسباب التي أدّت إلى الكذب، ولن يجد الأبوان صعوبة في التعرف على الدوافع وراء الكذب.
     إذ إن مما لا شكّ فيه أنّ ثمةَ فارقًا كبيرًا بين الكذب الذي نعهده على لسان البالغ الُمكلّف والحيلة التي يلجأ الطفل إليها لحماية نفسه من العقاب المبرّح أو لتعويض الشعور بالنقص .. 
     ومما لاشكّ فيه أنّ جميع الأطفال يشطح بهم الخيال في مختلف سني أعمارهم، ولا شكّ أيضًا أنّ الأطفال الصغار لايميزون بين الصدق والكذب، ولكن مع مرور الزمن وتنبيه الأهل يستطيع الطفل أن يدرك معنى الصدق، وهذا لايحدث إلا بعد الرابعة من العمر، والطفل في بر الأمان ما دامت الأسرة تهتم بدراسة ما يصدر عن الطفل من تصرفات تعطيها التفسير المناسب في ضوء خصائص نموه فتعمل على إصلاح الاعوجاج لديه وتشبع رغباته وتكسبه ثقته بنفسه .
    ويلجأ الأطفال للكذب عامة لأسباب متعددة من أهمها ما يلي :
الكذب الخيالي : فبعض الأطفال يتمتعون بخيال واسع يدفعهم إلى اختراع مواقف وقصص هم أبطالها، ولا يصح لنا في هذه الحالة أن نعد القصص الخيالية التي يرويها الطفل ولو كان في السادسة من عمره كذبًا ، والسبب في ذلك أنه لايرويها بقصد الغش والخداع، وإنما هي تقليد لما نرويه نحن له من قصص خيالية، كما أن الأطفال الصغار في بعض الأحيان لايفرقون بين الخيال والواقع فربما رأى منامًا أو سمع قصة خيالية فظنها حقيقة واقعة. وهذا النوع من الكذب يسمى الكذب الالتباسي، وهو يزول عادة من تلقاء نفسه إذا كبر الطفل ووصل عقله إلى مستوى يمكنه فيه أن يدرك الفرق بين الحقيقة والخيال.
الكذب بقصد المبالغة: حيث يبالغ الطفل في وصف قوته أو قوة والديه عندما يتحدث عنهم أمام رفاقه، أو يدعي الطفل أن والده يشغل منصبًا خطيرًا في الدولة، أو أنه يمتلك لعبًا كثيرة لايوجد مثلها عند أحد، وكل ذلك لمجرد التفاخر وتعظيم الذات وأن يصنع من نفسه محور اهتمام، وغالبًا ما يلجأ الأطفال الذين يعانون من الشعور بالنقص أو الحرمان إلى تغطية هذا الشعور بهذا النوع من الكذب، ولا شكّ أنّ هذه القضية مهمة لاسيما في الأسر الفقيرة، وهذا النوع أيضًا لايصلح أن نحاسب عليه أطفالنا، ولكن يكفي في ذلك التعليم بالإيحاء من خلال ترك المبالغة من قبل الوالدين، وعدم احتقار المهن أو الأشخاص بسبب مايشغلونه من الأعمال، كما على الأبوين غرس مبدأ أن التفاضل يكون بالقيم والمبادئ لابالمحسوسات المادية والمناصب، والعمل كذلك على إعادة ثقة الطفل بنفسه عن طريق إبراز القوة فيه وتنميتها، أضف أنّ على الأبوين حسب استطاعتهم تأمين بعض احتياجات الأولاد خاصة من الألعاب البسيطة والقليلة الكلفة لإشباع رغبة الطفل، مع أهمية الإسراع في علاج هذا النوع كما ذكرنا منذ الصغر حتى لايصبح من أخلاق الطفل الدائمة .
الكذب الدفاعي: فكثير من الأطفال يكذبون بقصد التستر على خلة ارتكبوها ويخشون عليها العقاب، وغالبًا ما يلجأ إليه الأطفال في الأسرة التي تتسم بنوع من الصرامة والقسوة في تربية أبنائها، أو في الأسرة المتفككة التي يختلف فيها الآباء والأمهات ..

وعلى الوالدين في مثل هذه الحالة تجنب استخدام العقاب الشديد الذي يؤدي إلى تنمية الكذب كوسيلة للدفاع عن النفس، وتعليم الأبناء أن الصدق منجاة لهم من العقاب، وعلى الأبوين أن يوطنا نفسيهما على الالتزام بما وعدا به أطفالهما فلا يعاقبوهم إن صدقوا القول واعترفوا بالخطأ، وأنهم بصدقهم قد نجوا من العقاب مع تحذيرهم من العودة لمثل هذا الخطأ مرة أخرى .
كذب التقليد: إن القدوة الحسنة تحتل في المجتمعات الإنسانية مرتبة عظيمة ومركزًا كبيرًا إذ تعتبر حافزًا كبيرًا وقويًّا للمحاكاة في الأخلاق والسلوك، فعن طريق التقليد في الفضائل تكتسب الفضائل وبالممارسة التقليدية تتحول هذه الفضائل إلى عادة متمكنة، ومن ثم إلى خلق مكتسب.
  وحين تكون القدوة سيئة فإن تأثير التقليد والمحاكاة يكون ضارًا مفسدًا ،وطريقًا قريبًا سهلًا لوصول المقلدين إلى دركات النقص التي انحدرت إليها قدوتهم، فكما يقال (شاهد الحال أقوى من شاهد المقال ). ولهذا يجب على الآباء أن يتذكروا دائمًا أنهم النموذج الذي يتطلع إليه أطفالهم علمًا وعقيدة وأخلاقًا وسلوكًا،كما عليهم أن يدركوا أنّ خُلق الكذب يكتسب من البيئة، وأن الطفل لايولد كذابًا، فإن أول وأعظم طريق يتعلم الطفل ويكتسب من خلاله الكذب ويعتاده هو عن طريق الوالدين والأخوة وكل من يحتك به ويعايشه.

فقد يقع الكذب من أحد الأبوين أمام الطفل في موقف من المواقف كأن يعتذر لصديق بأن ما يطلبه من كاتب أو صحيفة أو مجلة غير موجود، لكن الطفل الصغير يراقب الموقف ويعرف بأن الشيء موجود .. وهنا يدرك الطفل أن الكذب يكون مشروعًا في بعض الأمور، ويعمم ما تعلمه من الموقف إلى مواقف أخرى .

ومن الأمثلة على ذلك أيضًا ما يحدث أحيانًا عندما يكون الأب مرهقًا أو الأم متعبة فيرنّ جرس الباب أو الهاتف من شخصٍ يسأل عنهما، فيطلب من أحد الأبناء الاعتذار بعدم وجود الأب أو الأم ... ويكون الصغير مراقبًا للمشهد فتنتقل إليه بالتقليد عدوى الكذب، لتصبح خلقًا ذميمًا له عند الكبر .


أخيرا قيل قديمًا: (الوقاية خير من العلاج )، من هنا كان على الآباء أن يحرصوا أشد الحرص على وقاية أبنائهم من خطر هذه الآفة الفتاكة بالأسر والمجتمعات من خلال قواعد تربوية وأسس نفسية تسهم في الحيلولة دون الاعوجاج السلوكي للطفل ووقوعه في الكذب ولعل من أهمها:
• على الآباء والمربين أن يحوطوا الأطفال بالرفق والمحبة والعطف، فذلك يخطو بالطفل خطوات كبيرة نحو تربية سلوكية قويمة، يكسب من خلالها الأمن والاطمئنان، وينطلق في رحاب هذا العالم المجهول ليكتشف قيوده ويطلع على تقاليده من غير قلق أو خوف يدفعه للتحايل أو الكذب.
• اكسب ثقة طفلك وشجعه على الحوار معك، اترك له المجال ليحدثك بكل ما يدور في نفسه، لاتقابل أسئلته بالكف والضيق والتبرم، فهي عربون لبناء الثقة بينه وبين المحيطين به، تعرف على مشاكله وعالجها برويّة وتفهّم حتى لايلجأ إلى الكذب ليحمي به نفسه من عقاب الكبار المحيطين به.
• دع طفلك يستمتع بمرحلة الطفولة المبنية على إعادة تمثيل الواقع المحيط به في جو يغلب عليه الخيال، احترم تلك الخاصية في حياته، ولا تسخر من عمله، ولا توجه إليه اللوم أو التأنيب، فهو يحاول أن يعبر من خلال القصة التي ينسجها من خياله عن مخاوفه أوطموحاته، بل وربما يحاول أن يشبع بها رغباته المكبوتة ..وهو في كل ذلك لايفرق بين الواقع والخيال، لذا ليس هناك أي داع للقلق من تلك الظاهرة أو التسرع بوصف الطفل بالكذب، مع ذلك تدرج به برفق إلى التفرقة بين الواقع والخيال.
• تحدث معه عن الصدق وغيره من الأخلاق الحميدة بهدوء وإقناع، وعوّده عليه من أول حياته، وكن خير مثال تطبيقي لتلك القيم، فلا تكذب، فهو يشهد ذلك ويعيه ويتوسع في استخدامه، وإياك وعدم الالتزام بما وعدت به أبناءك وإن حدث بأن اضطر الأبوان إلى عدم الوفاء للولد بوعد ما فليسارعا إلى توضيح القضية والمبررات، لئلا يقع في نفس الولد أن والديه يكذبان .
• صدّقه، وابتعد قدر الإمكان عن أسلوب الاتهام بمجرد الشك، ولا تلصق به تهمة الكذب إلا إذا توافرت الأدلة على ذلك، فإن أي محاولة من ذلك  تسهم في تقييض علاقة المصارحة والثقة بين الآباء والأبناء، فيخلق ذلك في نفوسهم إحساسًا بالاضطهاد قد يدفعهم بالفعل إلى الكذب والتحايل.
• جنّب الطفل الظروف التي تشجعه على الكذب وتضطره للدفاع عن نفسه، من عقاب في حال الاعتراف بالكذب، أو إعطاء الطفل فرصة للإفلات بكذبه دون اكتشاف ذلك من قبل الآباء، وليكن ذلك بأسلوب بعيد عن الاتهام كأن يقول له الأب (هل أنت متأكد من هذه القصة ؟ مثلا ..أو لعلك نسيت ما جرى ...) ، وإياك و إرغامه على الاعتراف بذنبه بعد إصراره على الإنكار، لأن ذلك يؤدي إلى استرسال الطفل في كذبه وتفننه في تعاطيه، فالاعتراف والصدق والصراحة لا يحبها الطفل إلا لمن يطمئن إليه ولا يخشاه.


http://islamicsham.org