شخصية المسلم في التعامل مع والديه
الكاتب : عبد الملك الصالح
الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 م
عدد الزيارات : 20143

 

شخصية المسلم في التعامل مع والديه


إن للوالدين في دين الله مكانةً مميزةً، تتناسَبُ مع ما لهما من الفضل على الولد، فهما سبب وجوده في هذه الحياة، وهما من يربيان الولد على الدين القويم والخلق السليم، ويسيران به في طريق الفضيلة، فلهذا وغيره جعلَ اللهُ تعالى الإحسانَ إليهما في مرتبةٍ تلي الإيمان، وأمر سبحانه وتعالى بمعاملتهما بغاية الإكرام:
فأمر سبحانه بالإحسان في الكلام معهما والنظر إليهما والدعاء لهما، قال ربنا جلَّ وعلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} فالأمر بالإحسان إليهما هو قضاءُ اللهِ وأمرُه، وتكليفُه لعباده، وهو تابعٌ في الأهمية لعبادةِ اللهِ وحدَه، فعبادة الله وحده أعظم حقوق الخالق، والبر بالوالدين أعظم حقوق المخلوقين.
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} دورة الحياة تقتضي أن يكبرَ الصغيرُ، ويَهْرَمَ الشابُ، ويضعُفَ القويُ، فيامن أفنى والداه عمرَهما في مصلحتك دينياً ودنيوياً راعِ شعورَهما، واذكُر فضلَهما، ولا تُسِئْ إلى واحد منهما، حتى ولو كانت الإساءة برفع الصوت، حتى ولو كانت الإساءة بأقصر كلمة يمكن أن يفهم منها التضجر (أُفّ) فلا تَقُلْها، ولا تُشعِرْهُما بأنهما ثقيلان عليك، بل {قُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} تشعرهما به أنهما في المحل الأعلى والمكان الأسمى في عقلك وروحك وقلبك.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} تواضَعْ لهما، وليكن دافعك في هذا طاعة ربك الجليل سبحانه، واحتساب الأجر عند الكريم جل جلاله، واذكر ما لهما من الإحسان إليك في تربيتك وأنت صغير لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً، فقاما بشؤونك، وبذلا من أعمارهما وأوقاتهما وراحتهما لتكبر أنت، وتقوى أنت، وتتعلم أنت، فرُدَّ لهما بعضَ جميلِهما عليك، وإن كنت توقن أنك لا تستطيع رَدَّ جميلِهما فادعُ لهما ربَّك الكريمَ بأن يرحَمَهما جزاءً لهما على ما قدما إليك.
أيها المسلم المبارك: جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم البرَّ بالوالدين من أحب الأعمال إلى الله، حيث سُئل عن أحب الإعمال إلى الله فقال: «الصَّلاةُ على وقتها» قيل: ثم أي؟ قال: «بِرُّ الوالدين» وقدمه على الجهاد في سبيل الله.
البر بالوالدين من أجل الأعمال التي حض عليها الإسلام بنصوص قاطعة صريحة، فالمسلم الحق لا يكمل إسلامه حتى يتمثل بها، حتى يكونَ بِرُّهُ بوالديه سَجِيَّةً له، ومزيةً من أبرز مزاياه، ومِن سُموِّ الإسلامِ إلى أعلى ذروة الإنسانية أنه وصى الأبناء ببر الوالدين والإحسان إليهما والعطف عليهما ولو كانا غيرَ مسلمين، كما ورد في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
روى الإمام البخاري رحمه الله عَن أسْماء بنتِ أبي بَكر رضي اللهُ عَنهُمَا، قالت: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِيهَا».
والمسلم في بره لوالديه يراعي أن يبر والديه معاً، لكنه ربما في حالات لا يقدر على الجمع بين هذين الخيرين معاً، ويضطر لتقديم بِرِّ واحدٍ منهما على الآخر، فما التصرف الشرعي الصحيح عندها؟ علَّمَنا الشرعُ الحنيفُ أن المسلمَ في هذه الحالة يبر أمه ثم أباه، وهذا التقديم والتفضيل لِبِرِّ الأم على بِرِّ الأبِ إنما هو لما تُكابِدُهُ الأم من مشاق ومتاعب في الحمل والولادة والرضاعة، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}.
بل إن الإسلام توسع في مفهوم بر الوالدين حتى سَرَى الأجرُ للعبد الذي يبر أهل وُدِّ أبيه وأمه بعد موتهما، روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ».
فهنيئاً لمن وفقه الله لطاعة والديه وبرهما والإحسان إليهما، وهنيئاً لمن والداه في الحياة، يمثلان له باباً من أوسع أبواب الجنة، فهلموا أيها المسلمون لدخول هذا الباب الواسع من أبواب رحمة الله الرحيم. 


http://islamicsham.org