جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة: (حاصر مَسْلَمَةُ بنُ عبدِ الملكِ حصناً فندبَ الناسَ إلى نَقبٍ منهُ، فما دخلهُ أحدٌ، فجاء رجلٌ من عُرضِ الجيشِ فدخلهُ ففتحهُ اللّه عليهِمْ.
فنادى مَسْلَمَةُ: أينَ صاحبُ النقبِ؟ فما جاءه أحدٌ.
فنادى: إني قدْ أمرتُ الآذن بإدخاله ساعةَ يأتي، فعزمتُ عليه إلاّ جاء.
فجاء رجلٌ فقال: استأذِنْ لي على الأميرِ. فقال له: أنت صاحبُ النقبِ؟
قال: أنا أخبركم عنه .فأتى مسلمةَ فأخبره عنه، فأذنَ له.
فقال له: إنَّ صاحبَ النقبِ يأخذُ عليكم ثلاثاً: ألاّ تُسوّدوا اسمَهُ في صحيفة إلى الخليفةِ، ولا تأمروا له بشيءٍ، ولا تسألوه ممن هو.
قال: فذاكَ لهُ. قال: أنا هوَ.
فكان مسلمةُ لا يصلي بعدها صلاةً إلا قال: اللهمَّ اجعلني مع صاحبِ النقبِ) (عيون الأخبار 1/172).
قليلٌ منا لم يسمعْ بهذه القصة من قبل، لكنَّ كثيراً منا لم يربطوها بما يفعله الآنَ أحفادُ الأميرِ المجاهدِ مسلمةَ بن عبد الملك - رحمه الله.
ها هي بلادُ الشامِ.. وهذه هي ميادينها: بطولاتٌ تتراءى، وتضحيات تتوالى، وتنافسٌ محمومٌ لمرضاة الله، وسعيٌ حثيثٌ إلى لقياه، هممٌ تُنافسُ الجبالَ، وأرواحٌ تتسابقُ إلى الآجال، فسبحانَ من أحيا النفوس بعد موتها، وأعاد للأمة عزَّها وكرامتَها.
مواقفُ وأحداثٌ تثيرُ في النفس التساؤل: تُرى.. كم من "صاحب نقبٍ" يُسطّر الآن في بلاد الشام ما تقصُرُ عن وصفه العبارات، وتعجزُ عن إيفاء حقه الهتافات، وتتضاءل أمامهُ البطولات؟!!
كم في بلادِ الشام من "صاحبِ نقبٍ" يجاهدُ بسلاحه، و"صاحبِ نقبٍ" يجاهد بـ "كاميرته"، و"صاحب نقبٍ" يجاهدُ بـ "قلمه"، و"صاحب نقبٍ" يجاهد بـ "مِبضعه"، و"صاحبِ نقبٍ" يجاهدُ بـ "كلمته"، و"صاحبِ نقبٍ" يجاهدُ بـ "ماله"؟!!
كم في بلاد الشام من "صاحبِ نقبٍ" مضى فجعلناهُ جنديًّا مجهولاً، لكنَّ ربَّهُ تلقَّاهُ في عليين شهيداً مقبولاً؟!!
كم في بلادِ الشامِ من "صاحبِ نقبٍ" يستحقٌ منّا ما استحقه ذلك الجندي "المجهول" من قائده مسلمة مِنْ: وفاءٍ بعهدٍ، وتقديرٍ لجُهدٍ، ودعاءٍ في دُبرِ كلِّ صلاة؟!
أين مِنْ هؤلاء مَنْ كسروا "الظهورَ" بعشقِ الظهورِ"؟!
أين مِنْ هؤلاءِ مَنْ يبيعون رضا الله برضا عبيده؟!
أين مِنْ هؤلاءِ مَنْ يسعون إلى "الكاميرات"، ويتسابقون إلى "الشاشات" فرحين بما فعلوا وبما "لم يفعلوا"؟!!
إلى هؤلاءِ جميعاً نُهدي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ) رواه مسلم.
http://islamicsham.org