رفقاً بالثورة
الكاتب : د. عماد الدين خيتي
الخميس 10 أكتوبر 2013 م
عدد الزيارات : 22638

رفقًا بالثورة (1)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإنَّ الرِّفق خلق إسلامي أصيل، لا يكاد يخلو منه جانب من جوانب التشريع، سواء كانت العقدية، أو الفقهية، أو السياسية، الفردية منها أو الاجتماعية، بل إن الإسلام قد جعل الرفق في الإنسان دلالة على إرادة الله الخير به، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنُهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قَالَ: (مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ) رواه الترمذي، وأحمد.

 

وما أحوجنا في خضم هذه الثورة المتلاطمة الأمواج أن نتحلى بالرفق ونتواصى به؛ حرصًا على وصول ثورتنا إلى بر الأمان، وتحقق المقصود منها.

وليس الرفق من الضعف أو الجبن أو الهوان في شيء؛ بل هو من القوة والحكمة وحسن تقدير الأمور، وخاصة في حالات الاختلاف والتشاحن، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) متفق عليه.

 

رفقًا بمنجزات الثورة:

عند الحديث عن الثورة ومسيرتها خلال ما يقارب الثلاثة أعوام فمن العدل في تقويم هذه المسيرة الطويلة والرفق بها أن نذكر منجزاتها، وما حققته من انتصارات ضخمة عسكريًا، وإعلاميًا، وأخلاقيًا، ومصداقيةً، فضلاً عن صمودها الأسطوري ضد المكر العالمي، وفضحها للمتآمرين والمتسلقين، وكشفها لعوار وزيف ادعاءات (العالم الحر) بقيم الديمقراطية، والإنسانية، والعدالة.

فمن أعظم منجزات الثورة تطهير الجيل الحالي من تبعات الإفساد الممنهج خلال العقود السابقة، ونشوء جيل يتربى على معاني الجهاد والبطولة والتضحية، والعزة والكرامة، وعدم قبول الظلم والضيم، لعله يستطيع حمل الأمانة الثقيلة في إعادة إعمار البلاد وإقامة دين الله فيها ( 2 ).  

إنَّ استشعار هذه النعم الكبيرة، والعمل على ترسيخها وتنميتها وتوجيهها، والتحدث بها وشكر الله عليها امتثالٌ لأمر ربنا تبارك وتعالى بقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ) رواه الترمذي، وأحمد. 

كما أنَّ إعلان خسائر الطرف الآخر جزء من الحرب النفسية المؤثرة، وهي من الأهمية بمكان أن ذكرها الله –تعالى- في كتابه تثبيتًا للمؤمنين، قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 104].

أما قصر الحديث عن المصائب والتضحيات والآلام أو تضخيمها، فليس من الرفق بهذه الثورة وإنجازاتها، وليس من العدل في توصيف الواقع، وقد يكون فيه تسخُّطٌ على أقدار الله تعالى، وتثبيطٌ للهمم، وتيئيسٌ للنفوس.

 

رفقًا بالعاملين في الثورة:

ليس بخافٍ على أحد أنَّ معظم العاملين في الثورة ليس لهم سابق خبرة في الأعمال التي يقومون بها عسكريًا، أو إغاثيًا، أو إعلاميًا، أو دعويًا، وغير ذلك، بالإضافة للضعف الكبير في الخبرة في الأعمال الإدارية، أو الأعمال الجماعية والمؤسسية، وهم يبذلون جهدهم ووسعهم في العمل خلال هذه الثورة بأقل مقدار ممكن من الموارد، وأضخم تجمع للصعوبات، وقد أُخذوا على حين غِرة حيث استجروا للحرب والمواجهة من غير إعدادٍ سابق، فمن الطبيعي والحالة هذه الوقوع في الأخطاء والتقصير، فليس من العدل معهم ولا الرفق بهم الاتهام بعدم بذل الجهد، أو تكرار التضجر من الأخطاء والتقصير، وخاصة مع هذه الظروف القاهرة والاستثنائية التي يعمل فيها الجميع.

ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ الحاجة لجميع أنواع الإغاثة والإعانة كثيرة ومتشعبة، ولا يمكن أن يقوم بها على وجهها الكامل إلا قدرات بحجم الدول،  فما بالنا بشعب منكوب محارب؟ ومجموعات موزعة هنا وهناك في الآفاق لا يجدون موردًا إلا من جهود ذاتية، ودعم محدود من الشعوب المسلمة المتعاطفة مع الثورة، مع التضييق والمنع والمراقبة والشروط التعجيزية.  

فلنلتمس لهم العذر، ولنحمل تصرفاتهم ومواقفهم على أحسن المحامل، ونحسن الظن بهم، ونتغاضَ عمَّا يمكن التغاضي عنه من الأخطاء والزلات، وبخاصة من كان له قدم سبق في القيام بشؤون الناس، أو مكانة بينهم، يقول ابن الجوزي رحمه الله: (ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإنّ الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقّق في كل صغيرة وكبيرة، مع أهله، أحبابه، وأصحابه، وجيرانه، وزملائه، كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته).

ولا يمنع هذا من النصح والنقد لتحسن العمل.

 

رفقًا في النقد:

فالواجب عند حصول الأخطاء أو التقصير الالتفات إلى المهم والمثمر، وهو النقد البنَّاء، ببذل النصيحة والمشورة متجردة لله –تعالى- من هوى النفس وشهواتها؛ فإنَّ النصيحة حق من حقوق المسلم، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) رواه البخاري.

ولتكن مبادؤنا:

- التناصح، ﻻ التفاضح؛ فقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من تتبع العورات بقصد الفضيحة بقوله: (لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) رواه الترمذي، وفي رواية: (يَفْضَحْهُ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ).

- ألا يكون في هذه النصيحة حبٌ للظهور أو الانتقاص من الآخرين، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ) متفق عليه، وقال: (لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ؛ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ) رواه الترمذي.

- لين الجانب في الخطاب؛ فهو أولى بالقبول والإجابة، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}  [آل عمران: 159].

- عدم التصريح بالنقد إلا لمن له علاقة بالموضوع، أو يستطيع التغيير أو التأثير، وإلا أصبح ذلك غيبة محرَّمة، وتشويهًا لصورة الشخص وتشهيرًا به دون سبب مشروع.

 

رفقًا بالتغيير:

تظهر بين الفينة والأخرى تساؤلات عن بطء التغير في النفوس، أو الأفكار، أو التصرفات، بل الحديث عن أسباب الفشل والإخفاق في تحقيق الثورة لما هو متوقع منها، وهذا ليس من الإنصاف؛ فما أنتجه النظام خلال عقود طويلة من الإفساد لا يمكن إصلاحه في شهور قليلة، بل يحتاج إلى وقت طويل، وجهودٍ جبارة في جو هادئ مستقر، فكيف بهذه الظروف؟  فضلاً عن أنَّ الإصلاح المنجز حتى الآن جيد المستوى والنتائج.

ومن الرفق بالتغيير والإصلاح: أن يكون ذلك بالتدرُّج، وأخذ الناس بالحسنى في الانتقال بهم للأفضل، والرقي بهم من حالٍ إلى حال، فالتدرُّج سنة من سنن الله –تعالى- في الكون، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11].

أما حمل الناس على التغيير قسرًا وإكراهًا، أو ضغطًا وإلحاحًا فلن يؤتي ثماره الحقيقية، ولن يترسخ في النفوس، وإن استجاب الناس له مؤقتًا فسرعان ما ينفضون عنه وينقلبون ضده، قال عبد الملك بن عمر لأبيه عمر بن عبد العزيز –رحمهم الله تعالى- عند توليه الخلافة: "يا أبت مالَكَ لا تنفذ في الأمور؟ فو الله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور! قال له عمر: لا تعجل يا بني؛ فإن الله تعالى ذَمَّ الخمر في القرآن الكريم مرتين، وحرمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملةً، فيدفعونه، وتكون فتنة" ذكره في "العقد الفريد".  

وإنَّ أهم ما يبغي على المخلصين والمصلحين التركيز عليه: أن يكون لديهم مشروع موازٍ للثورة في تغيير النفوس والمفاهيم والأفكار التي تربى عليها الناس، تراعي حال الناس وما هم فيه من بلاء ومحنة، وخصوصية المجتمع وطبائعه، عبر مشروع تنموي إصلاحيٍ طويل الأمد.

 

رفقًا بالوحدة:

أصبحت المناداة بالوحدة والاتحاد بين العاملين في الوسط الثوري مطلبًا وحديثًا دائمًا لأكثر الناشطين، سواء كان ذلك بين الكتائب المسلحة، أو غيرها، مع الضغط الشديد باتجاه ذلك، مع لوم من لم يستجب بالتخاذل أو عدم الصدق في العمل.

ووصل الأمر عند البعض  إلى حدِّ تعليق (تأخر النصر) على عدم تحقق هذه الوحدة، أو التأخر فيها.

ومع أنَّ الوحدة هدف سام، ومطلب مشروع، وهي أرقى مراحل التعاون والتنسيق، إلا أنَّ هذه المطالبات بهذه الطريقة غير مسلَّم بها؛ فالوحدة كي تحقق الهدف المرجو منها لا بد من توافر الشروط والظروف والآليات المناسبة، والتي تتعلق بجوانب عديدة حسب كل مجال وخصائصه، وإلا كانت هذه الاتحادات مجرد أسماء وكيانات لا حقيقة لها، وكم شهدت الساحة عشرات المشاريع والدعوات إلى الوحدة لم تجاوز مكانها؛ لافتقادها إلى التخطيط السليم، أو لقيامها على محاولات التوحيد بالضغط والإكراه. 

إنَّ الانتقال من حالة التشرذم والفردية المليئة بعدم القدرة على العمل الجماعي والمؤسسي، أو الخوف من الآخر، والشك فيه، والنفور منه، إلى حالة الوحدة معه لا بد أن تمرَّ بمراحل عديدة، ويتخللها الكثير من الاختبارات، والتمحيص، والتعرف على الجوانب التي يمكن التعاون فيها مع الطرف الآخر، وصولاً إلى الثقة المتبادلة، والاعتياد على العمل الجماعي. 

وخير سبيل لتحقيق هذا الأمر بشكله الصحيح: العمل على التنسيق في الأعمال المشتركة، حتى تتآلف النفوس، وتتقارب الأفكار، ويترسخ فقه الاختلاف والائتلاف في النفوس.

فضلا عن أنَّ الوحدة قد لا تكون مطلوبة أو ممكنة في بعض الأعمال التي لا يضر تعدُّد القائمين بها، أو لا يمكن القفز عليها كالخلافات المنهجية.

وقد شهدت الساحة الجهادية على وجه الخصوص مؤخرًا عدة مشاريع توحيدية بعد جهود كبيرة، جاءت عن قناعة وتفاهم كبير، كان لها الثمار الطيبة، وردود الفعل المرحبة، وهو ينبغي التوجه إليه في المرحلة القادمة على خطى راسخة.

 

رفقًا بقيادة الثورة:

إنَّ وجود شخص أو مجموعةٍ ما في خدمة جانبٍ ثوري هي أمانة كبيرة ومسؤولية عظيمة، لا سيما إذا كان ذلك في موقع قيادي أو مؤثرٍ في صنع القرار؛ لما يترتب عليها من آثار خطيرة في مسار الثورة اليومية، وفي المستقبل.

وقد نبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خطورة ومسؤولية أمانة الولاية وتصدَّرها بقوله: (إِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) رواه مسلم.

ومن أهم ما ينبغي الحذر منه في هذا الجانب حب التَّصدر والزعامة، والرغبة إلى الوصول إلى موقع قيادي في جانب من الجوانب العسكرية، أو الإغاثية، أو الدعوية، ونحوها، ولو لم يكن الشخص من المؤهلين لذلك أو لديه القدرة على القيادة، وهو ما يدفع في العديد من الحالات إلى شق الصفوف، وبعثرة الجهود، وتراجع الإنجازات؛ وتشتيت الموارد. 

وكثيرًا ما يرافق هذه التوجهات للزعامة اتهام للآخرين وانتقاصٌ منهم، مع إعجاب بالنفس حد الغرور، والكبر، وبعدٍ عن العمل المؤسسي والجماعي، مما يجعل العمل فرديًا معرضًا للخطأ والزلل، يدور حول تقديس الأفراد والتمحور حولهم.

إنَّ التصدَّر للزعامة دون امتلاك القدرة على أداء هذه الأمانة خيانة لها ولأمة، وفيه تعريض النفس للوعيد الشديد، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتَرْعِي اللهُ عَبْدًا رَعِيَّةً، يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) رواه مسلم.

فالزعامة والقيادة ليست هوى يتبع، أو هدفًا يُسعى إليه، بل هي ضرورة حياتية يُصار إليها لتنظيم الأمور وخلوها من الاضطراب والتناقض، ومن كان يملك مؤهلاتها ويجد القبول من الناس فسوف تأتيه دون طلبٍ أو سؤال، وفي الوقت المناسب لذلك, وإن تغلَّب حب الزعامة والقيادة على الشخص أعماه عن النظر في مصلحة المجتمع والأمة، مما يؤثر سلبًا على مشاريع التوحد والتجمع. 

 

رفقًا بالتعامل مع الأخبار وتناقلها:

إنَّ أحداث الثورة ووقائعها كثيرة ومتلاحقة، وهي متنوعة ما بين سلبية وإيجابية، وكثيرًا ما تتناقل أحاديث نقد الجهود الثورية، وسلبياتها، أو اتهام جهة ما، أو تخوينها، وغالبًا ما تخلو هذه الأخبار من المصداقية أو التأكد، فتكثر الإشاعات، وتُبنى عليها الأحكام الجائرة، ثم لا تلبث أن يظهر خطؤها أو عدم دقتها، فيحصل الندم، ويصعب تدارك أثرها في النفوس.

وقد تكون هذه الأحاديث المتناقلة أخبارًا سرية، فيكون في تناقلها إفشالاً لمشاريع، أو إضرارًا بناشطين.

 

وما أحوجنا في هذه الثورة أن نعمل بتشريعات ديننا الحنيف في تناقل الأخبار والعمل بها، والتي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

1- عدم نشر الأخبار أو نقلها دون التثبت من صحتها تثبتًا لا شك فيه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، ولا يكفي لصدق الخبر وصحته أن يكون الناقل صادقًا أو محل ثقة، فهو معرض للخطأ في الفهم، أو النقل، أو غير ذلك، خاصة إذا كان فيما ينقله غرابة، أو يتناقض مع ما ينقله غيره.

2- عدم نقل كل ما يُسمع أو يقال؛ فلا بد أن يكون فيما يسمع كذب أو مبالغات أو أخطاء، فيكون برواية هذه الأخبار مساهمًا في نشر ما لا يصح منها، قال صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم.

3-  الحرص على عدم ترديد الإشاعات وتناقلها، والعمل على كتمانها وإماتتها، وقصر الحديث عنها إلى أهل الخبرة والاختصاص والرزانة؛ لينظروا في كيفية التعامل معها، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].

4- الحرص على نقل الخبر كما هو، دون التدخل في تحليله أو تفسيره؛ أو على الأقل التمييز بوضوح بين ما هو خبر وما هو تحليل؛ فالتحليل والتفسير انطباعٌ شخصي، قد لا يكون له حظ من الواقع ( 3 ).

5- الحذر الشديد من الكذب أو إخفاء جزءٍ من الحقيقة لتوهم المصلحة في ذلك؛ فإنَّ الكذب محرم، قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105].

وقال صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا) متفق عليه. 

6- الإعراض عما لا فائدة من نقله وإشاعته بين الناس، وما لا ينبني عليه عمل أو تصرف، وخاصة عند من لا يعنيهم الأمر.

7- الكف عن نقل عيوب الناس وأخطائهم وعثراتهم؛ فهي إما أن تكون مانعة لهم من التراجع عنها، أو من الغيبة المحرمة، أو من نشر أخبار الشر والفساد في المجتمع، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}[النور:19].

 

رفقًا بالأمل وبالثمرة:

إنَّ الثورة السورية بكل إنجازاتها ما هي إلا عملية تصحيح للواقع السوري الذي يئن من إجرام النظام، وطريق لإعادة بناء المجتمع من جديد، وفي الوقت نفسه: فإنها ليست خاتمة المطاف، ولا غاية ما نريد، فلا ينبغي تحميلها كل ما نريد تحقيقه، ولا الإثقال عليها بكثرة النقد وجلد الذات، أو حرق المراحل والاستعجال في الإنضاج وقطف الثمار، فما هي إلا مرحلة لها خصوصيتها وطبيعتها، قد تطول أو تقصر، وتتطلب مقدار كبيرًا من التضحيات والحكمة والصبر، وستمتد آثارها لسنوات طويلة قادمة، بل قد تستغرق الجيل الحالي بأكمله، وها هي تنتقل –بفضل الله ورحمته- من حالٍ لحالٍ أفضل، وتتخلَّص من أخطائها والمتطفلين عليها، وتنفي عن نفسها الخبث شيئًا فشيئًا، مما يوجب علينا أن نفهم طبيعتها، ونُحسن التعامل معها؛ رفقًا بأنفسنا وبمستقبل بلادنا، إلى أن يسقط النظام، ثم تبدأ مرحلة الإعمار والبناء بإذن الله.

والحمد لله رب العالمين

 

_____________________________________________

1- أصل هذه المقالة حلقة تلفزونية بثت بتاريخ  12 ذو القعدة 1434 هـ الموافق 18 سبتمبر 2013 م، ، ثم تطورت فكرتها بنصائح عدد من الإخوة وملحوظاتهم، فجزاهم الله خيراً.

2- ينظر مقال ( ربيع سورية أحياء المجتمع ) .

3- ينظر مقال (أخي .. ما حملك على ما صنعت ؟) د. معن عبد القادر حول منهجية التثبت من الأخبار.


http://islamicsham.org